للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحد عن فرض الله الجهاد، وحشر الناس وقد نادى لسان التناصر من كلّ واد بكل واد.

وأعمل مولانا السلطان السير وقد بلغه أنّ القوم انتخبوا من الألف مائة، ومن المائة عشرة، وأنهم شتّوا بالأطاق (١) - ومعنى هذه اللّفظة الجبل الأبلق - وهو خارج الدّربندات (٢) وتشتيتهم فيه علامة على قصد البلاد. فلم يزل - خلّد الله ملكه - يحثّ السّير بنيّة الغزاة الصادقة، ويطوي المراحل في كلّ غاربة وشارقة. والأخبار من جهة النصحاء تتأكّد، والقصّاد منه وإليه تتردّد، إلى أن حلّ ركابه حمص، فلمّا بلغ التتار المخذولون (٣) هذا الاهتمام، وتفويق هذه السهام، وإعلان هذه الأعلام، وقدوم مولانا السلطان في أحسن هيئات الإقدام، علموا أنهم لا قدرة لهم بمصادمة هذا / ٤١ ب / الجيش الجرّار، ولا لهم استعداد يقابل هذا العزم الكرّار. وحصل لهم من الرعب ما ثبّط عزمهم، وثبّج حزمهم، وكاد أن يبدّد نظمهم.

وكان المقدّم لهذا الجيش الحاضر به منكوتمر بن هولاكو. وسبب حضوره أنّ أخاه أبغا ملك التتار الآن، والقائم بأسّته، والمتولّي أمر سياسته، وقد تقدّم إليه، وقد ألحّ (عليه) (٤) في طلب مملكة بأن يجمع الجيوش من أدنى بلادهم وأقصاها، فتتبّع العساكر من التتار والكرج والروم والأعجام واستقصاها. وأن تفتح البلاد الشامية ويستملكها، وأن يستقطع كلّ أرض يسلكها. وما هو إلاّ أن غرّته العافية، وخيّل له قرب الأجل موافاة ما غدت له منيّته موافية. هذا، وأحواله عندنا يوما بيوم لابل ساعة بساعة، والمكاتبون بإنفاذ القصّاد باذلون في إعلامنا جهد الاستطاعة.

وعند ما تحقّق مولانا السلطان الخبر، بادر لاقتفاء الأثر، فبينا نحن كذلك / ٤٢ أ / إذ ورد كتاب النائب بالرحبة، وبآخره ملطّفة قد ألحقت بعد ختم كتابه، متضمّنة أنّ التتار قد أحاطوا بالقلعة (٥) كما تقدّم.


(١) ألاطاق: بهمزة قطع في أوله، وهو بالتركية، ألاداغ، أي الجبل.
(٢) الدّربند: لفظ فارسي معناه: سنبلة يقفل بها باب الدكان أو الحانوت. دخلت العربية منذ العصر الأيوبي، ثم انسحب اللفظ ليطلق على المعابر الضيّقة بين جبلين والمضايق التي تقطعها الأنهار (معجم المصطلحات والألقاب التاريخية ١٧٨).
(٣) الصواب: «المخذولين».
(٤) عن الهامش.
(٥) نهاية الأرب ٣١/ ٣١.

<<  <   >  >>