ثم إنّ مولانا السلطان أعمل السّير إلى أن نزل بحمراء بيسان، واستدعى الأمراء فحضروا إلاّ أيتمش فإنّه لم يحضر استشعارا من نفسه بما حملها عليه من الغرر، وجلبه لها من صور الخيانة في أقبح الصّور. وأخذ مولانا السلطان في الحديث مع الأمرا فيما بلغه من ذلك. ثم التفت فأمر الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصوري بإمساك كوندك، فبادر إلى سيفه فأخذه، ثم ذهب به فقيّده، وأمر فأمسكت أعوانه، وهم خمسة وعشرون أميرا (١). / ٦٢ ب / وأقرّ بعض المماليك الصغار الظاهرية على جمع كبير منهم فأحضروا وأمسكوا، وخابت آمالهم ممّن كانوا به قد تمسّكوا.
ورحل مولانا السلطان فنزل خربة اللصوص، ومنها هرب أيتمش السّعدي إلى صهيون، وتوجّه مولانا السلطان قاصدا دمشق بعد أن أمّر على أخباز المذكورين بالمنزلة المعروفة بقرن الحرّا، ودخلها وقد تبرّجت له بزينتها من البنّات، وقبّلت الأرض بين يديه باستنابة تساقط يانع الثمرات. وأسالت واديها وأرته حميد العواقب من مباديها. فحلّ قلعتها، واستجلى طلعتها. وحلّ ذراها، وحلّ إذ حلّ عراها. وآنس ما كان من الوحشة قد عراها، ومنها سار للقاء العدوّ.
وحين كتبنا إلى سنقر الأشقر من حمص كتبنا إلى أيتمش السّعدي نؤمّنه على نفسه، وأن يحضر ولا يخشى ممّا كان منه، ولا ممّا بلغنا عنه. ويغتنم فرصة الجهاد، وأن لا يخشى حقدا فالشدائد تذهب الأحقاد. وورد جوابه بالسمع والطاعة لله تعالى ولرسوله ولمولانا السلطان، والتنصّل ممّا نسب إليه / ٦٣ أ / ممّا زعم أنه زور وبهتان، وقال ما نصّه:
«ومن هو كوندك القطعة التركمانيّ حتى أكون أنا معه؟ والله يا خوند ما أبيع نشّابة من تركاشك بألف كوندك».
وأخذ يمتّ بمناصرة مولانا السلطان ومتابعته، ومبايعته. وأنه أول من أطاع وما اعترف بأنه أول من عصى، ولا أنه الحامل على شقّ العصا.
وكانت الحوطة بالديار المصرية قد وقعت على موجوده من خيل وإبل وأسلحة وأثاث وذخائر من فضّيّات لها قيمة، حسب المراسيم السلطانية. فضمّن
(١) في نهاية الأرب، ٣١/ ٧٨ كانوا ثلاثة وثلاثين نفرا، أحضر بعضهم من جبال بعلبك، وبعضهم من ناحية صرخد.