قال الخطيب البغدادي - رحمه الله -: (ثم إني موصيك يا طالب العلم! بإخلاص النية في طلبه، وإجهاد النفس على العمل بموجبه، فإن العلم شجرة، والعمل ثمرة، وليس يعد عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً.
وقيل: العلم والد، والعمل مولود، والعلم مع العمل، والرواية مع الدراية، فلا تأنس بالعمل وما دمت مستوحشاً من العلم، ولا تأنس بالعلم مادمت مقصراً في العمل، ولكن اجمع بينهما وإن قلَّ نصيبك منهما.
والعلم يراد للعمل، كما العمل يراد للنجاة، فإذا كان العمل قاصراً عن العلم، كان العلم كلاًّ على العالِم، ونعوذ بالله من علم عاد كلاًّ، وأورث ذلاً، وصار في رقبة صاحبه غِلاً.
قال بعض الحكماء: العلم خادم العمل، والعمل غاية العلم، فلولا العمل لم يطلب علم، ولولا العلم لم يطلب عمل، ولأن أدع الحق جهلاً به، أحب إليَّ من أدعه زهداً فيه.
وقال بعضهم: وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب، وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما، وهل المغرم بحبها إلا كتاركهما، وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها، كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها، وراعى واجباتها، فلينظر امرؤٌ لنفسه، وليغتنم وقته، فإن الثواء (١) قليل، والرحيل قريب، والطريق مخوف، والاغترار غالب، والخطر عظيم، والناقد بصير، والله تعالى
(١) ثوى: المكان، و - به يثوي ثِواءٌ وثُويّاً، بالضم، وأثوى به: أطال الإقامة به، أو نزل. راجع القاموس المحيط للفيروز آبادي ص (١٢٦٨) طبعة مؤسسة الرسالة.