للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله "وإني حرمت المدينة" فيه التأويل كما تقدم، والأظهر هنا أن تحريمها كان سبب دعائه - صلى الله عليه وسلم - لها ولأهلها وكونه فيهم حيًّا وميتًا، وفيه دلالة على أن المدينة لها حرم كمكة في تحريم الاصطياد وقطع النبات الأخضر وغير ذلك، وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب الهادي والشافعي وغيرهم إلى أن للمدينة حرمًا كحرم مكة في جميع ما ذكر، وذهب أبو حنيفة وزيد بن علي والناصر إلى أن حرم المدينة مخالف حرم مكة في الأحكام، وتسميته حرمًا مجاز، ويرد عليهم بقوله في حديث أنس "لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث" وفي رواية عند مسلم "لا يقطع عضاهها، ولا يصاد صيدها" فإن هذا صريح في المذهب الأول، واختلفت الأحاديث في تحديده ففي حديث أنس عند البخاري "المدينة حرم من كذا إلى كذا" (١)، وفي حديث أبي هريرة عنده أيضًا قال: "حرم ما بين لابتي المدينة على لساني "قال: "وأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بني حارثة وقال: أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم ثم التفت فقال: بل أنتم فيه" (٢)، وفي حديث علي -رضي الله عنه- عنده "حرم ما بين عائر إلى كذا" (٣) وفي رواية عند مسلم " من عير إلى ثور" (٤)، وفي رواية "ما بين مأزميها" (٥) أي جبليها، وفي رواية: "ما بين حرتيها وحمامها" وحمام المدينة ثلاثة أجبل مما يلي حرتها الغربية والحرتين المراد بهما الغربية والشرقية والمدينة بينهما، وهو حد للحرم مِن المشرق والمغرب وما بين جبليها بيان لحده من الجنوب والشمال، وللمدينة أيضًا حرة من


(١) البخاري فضائل المدينة، باب حرم المدينة ٤: ٨١ ح ١٨٦٧.
(٢) البخاري فضائل المدينة، باب حرم المدينة ٤: ٨١ ح ١٨٦٩.
(٣) البخاري (السابق) ٤: ٨١ ح ١٨٧٠.
(٤) مسلم الحج، باب فضل المدينة ... ٢: ٩٩٤: ٩٩٥ ح ٤٦٧ - ١٣٧٠.
(٥) مسلم الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة ... ٢: ١٠٠١ ح ٤٧٥ - ١٣٧٤.