للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الحديث فيه دلالة على كراهة الرجوع في الهبة، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك، وأما تحريم الرجوع فذهب الجمهور من العلماء إلى أنه يحرم الرجوع، وبوب البخاري بقوله: باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته. وإنما جزم بذلك لقوة الدليل عنده فيها، وأورد الحديث المذكور، وأخرجه أبو داود (١) وقال في آخره: قال همام: قال قتادة: ولا أعلم القيء إلا حرامًا. واستثنى الجمهور هبة الوالد لولده؛ جمعًا بين هذا الحديث وحديث النعمان الماضي (٢). وذهب أبو حنيفة والهدوية إلى حل الرجوع في الهبة دون الصدقة إلا إذا حصل مانع من الرجوع؛ كالهبة لذي الرحم، والزيادة في الموهوب، ونحو ذلك، كما فصل ذلك في الفروع، وأجابوا عن الحديث بأن المراد بذلك التغليظ في الكراهة. قال الطحاوي (٣): قوله: "كالعائد في قيئه". وإن اقتضي التحريم لكون القيء حرامًا، لكن الزيادة في الرواية الأخرى وهي قوله: "كالكلب". يدل على عدم التحريم؛ لأن الكلب غير متعبَّد، فالقيء ليس حرامًا عليه، والمراد التنزيه عن فعل يشبه فعل الكلب. وتعقب باستبعاد التأويل ومنافرة سياق الحديث له، وبأن عرف الشرع في مثل هذه الأشياء يريد به المبالغة في الزجر؛ كقوله: "من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير" (٤). ويجاب عنه بأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب عليها، فإن رجع في هبته فهو كالذي يقيء ويأكل قيئه".


(١) أبو داود ٣/ ٢٨٩ ح ٣٥٣٨.
(٢) تقدم ح ٧٥٧.
(٣) شرح معاني الآثار ٤/ ٧٧، ٧٨.
(٤) أحمد ٥/ ٣٥٢، ومسلم ٤/ ١٧٧٠ ح ٢٢٦٠، وأبو داود ٤/ ٢٨٦ ح ٤٩٣٩، وابن ماجه ٢/ ١٢٣٨ ح ٣٧٦٣ من حديث بريدة الأسلمي.