للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الإنسان, مثل الرياسة والجاه والتي تظهر في سلوكه بسبب ضعف إيمانه وجهله بعواقب تصرفاته. وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "وقد يكون في أول الشيخوخة بقية هوى فيثاب الشيخ على قدر صبره، فكلما قوي الكبر ضعفت الشهوة، (الشهوة الجنسية أما شهوة العلم والجاه والرياسة قد تقوى) فلا تراد للمذنب، وإذا تعمد الشيخ شهوة، فكأنه مراغم؛ إذ الشهوة الطالبة قد خرست، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أبغضُ الخلقِ إلى الله شيخ زان". ومنهم من كأنه يقصد الرغمة، فيلبس الشيخ خاتم ذهب. والويل لمن لم ينهه شيبه عن عيبه؛ ما ذاك إلا لخلل في إبمانه، وقَد يقول الشيخ: علمي يدفع عني أو لم يعلم أن علمه حجة عليه" (١).

وهنا تنبيه من ابن الجوزي للشيخ أن يحترم سنه ولا يتصرف تصرفات تقلل من وقاره.

الجانب الثاني: الناحية العلمية، وفيها يوضح ابن الجوزي قدرات الشيخ العقلية التي ينبغي استغلالها في التصنيف والتعليم ويوصيه بالاستزادة من العمل الصالح الذي ينفعه في آخرته، فيقول في ذلك: "فأما إذا قلت الآلات عنده من الكتب، أو كان في أول عمره ضعيف الطلب فلم ينل ما يريده في هذا الأوان، أخر التصانيف إلى تمام خمسين سنة. ثم ابتدأ بعد الخمسين في التصنيف والتعليم إلى رأس الستين، ثم يزيد فيما بعد الستين في التعليم، ويسمع الحديث والعلم ويعلل التصانيف (٢) إلى أن يقع مهم إلى رأس السبعين، فإذا جاوز السبعين جعل الغالب عليه ذكر الآخرة والتهيؤ للرحيل. فيوفر نفسه على نفسه إلا من تعليم يحتسبه، أو تصنيف يفتقر إليه، فذلك أشرف العُدَد للآخرة، ولتكن همته في تنظيف نفسه، وتهذيب خلاله، والمبالغة في استدراك


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي."تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر". ص ٦٣.
(٢) أي يرجع عليها بالتصحيح والتنقيح وبيان الأدلة والعلل، ومنه سمى مجد الدين الموصلي كتابه الذي بين فيه أدلة أحكام المختار. وشرحه فيه "الاختبار لتعليل المختار". ابن الجوزي. صيد الخاطر. (راجعه ووضع مقدمته وعلق عليه) الطنطاوي، على، و (حققه ووضع فهارسه وعناوين فصوله) الطنطاوي، ناجي، الطبعة الثانية، دمشق، دار الفكر، الطبعة الثانية، ١٣٩٨ هـ - ١٩٧٨ م، ص ٢٠٨.

<<  <   >  >>