للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خامسًا: أسباب الانغماس في الشهوات

إن الانغماس في الشهوات، يشتت فكر الإِنسان، ويبدد طاقاته، ويقتل ملكاته، وقد أوجز ابن الجوزي أسباب الانغماس في الشهوات في أمرين:

أولهما: "أن تطاع النفس في طلب كل شيءٍ تشتهيه وذلك لا يوقف على حدٍ فيه، فيذهب الدين والدنيا ولا يُنال كل المراد. مثل أن تكون الهمة في المستحسنات أو في جمع المال أو في طلب الرياسة وما يشبه هذه الأشياء" (١).

من المعروف أن النفس البشرية جُبلت على حب الشهوات، وقد جاء المنهج التربوي الإسلامي لتهذيب هذه الشهوات والإعلاء منها، بطريقةٍ معتدلةٍ متوازنةٍ دون إفراطٍ أو تفريطٍ وفي حدود ما أباحه الله تعالى، ولكن انحراف الإنسان عن تطبيق المنهج الصحيح في إشباع الشهوات، والإفراط والطاعة في إشباع هذه الشهوات دون قيودٍ وحدود، يضر الإنسان في دينه ودنياه وآخرته، لقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (٢).

لذلك لابد من ضبط الدوافع والشهوات بالضوابط الشرعية الملائمة لفطرة الإِنسان، مع الاعتدال في إشباع المباحات، والتقليل من كماليات الدنيا.

أما الأمر الثاني: فهو "مخالطة الناس خصوصًا العوام، والمشي في الأسواق، فإن الطبع يتقاضى بالشهوات، وينسى الرحيل عن الدنيا، ويحب الكسل عن الطاعة والبطالة والغفلة والراحة. فيثقل على من ألف مخالطة الناس التشاغل بالعلم أو بالعبادة، ولا يزال يخالطهم حتى تهون عليه الغيبة وتضيع الساعات في غير شيء" (٣).


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٣٩٥.
(٢) سورة المنافقون، الآية ٩.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٣٩٥.

<<  <   >  >>