للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم بيَّن ابن الجوزي رأيه في الخوف من الله تعالى، مؤكدًا أن معرفة الله تعالى، هي التي تولد الخوف منه في النفس البشرية. فقال في ذلك: "ما عرفه إلا من خاف منه، فأما المطمئن فليس من أهل المعرفة" (١) وقال: "ولو أنهم تأملوا عظمته وهيبته ما انبسطت كفُّ بمخالفته" (٢). ثمَّ أرشد ابن الجوزي للطريقة التي تولّد هذا الخوف من الله تعالى فقال: "وليكن المتيقظ على انزعاج، محتقرًا للكثير من طاعاته، خائفًا على نفسه من تقلباته، ونفوذ الأقدار فيه" (٣). ثمَّ ينصحه قائلًا: "وملاحظة أسباب الخوف أدنى إلى الأمن من ملاحظة أسباب الرَّجاء. فالخائف آخذٌ بالحزم، والراجي متعلق بحبل طمع، وقد يخلف الظن" (٤).

وقد استقى ابن الجوزي رأيه من قول الله تعالى (وإن لم يستشهِد بذلك فيما أطلعت عليه): {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (٥). وقول الله تعالى فيمن دفعه خوفه إلى سلوك طريق المتقين: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (٦).

خامسًا: التبصير بأساليب الإلحاد والملحدين

مع اختلاف الحقبة الزمنية التي عاش فيها ابن الجوزي عن عصرنا الحاضر، إلا أن الإلحاد له جذور ممتدة من بداية الدعوة الإسلامية إلى يومنا هذا. لذلك لم يخلُ عصر ابن الجوزي من الملحدين الذين نشروا الأفكار المخالفة للإسلام، وحاولوا بشتى الطرق والأساليب التشكيك في الخالق جلّ جلاله وفي شرعه وأحكامه. وقد ناقش ابن الجوزي أفكارهم في كتابه تلبيس إبليس. ونقدها ودحضها بالحجة والعقل والمنطق. وسأكتفي بعرض أفكارهم ثم ردّ ابن الجوزي عليها، فقد كان رده مقنعًا بخطأ أفكارهم.


(١) المرجع السابق، ص ١٣٥.
(٢) المرجع السابق، ص ٢١٠.
(٣) المرجع السابق، ص ١٣٦.
(٤) المرجع السابق، ص ٢١١.
(٥) سورة الأعراف، الآية ٩٩.
(٦) سورة الأنبياء، الآية ٩٠.

<<  <   >  >>