للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمقصود من هذ العبارة مجالسة الصالحين والابتعاد عن مجالس الدنيا وأهلها، وذلك لتأثير الصحبة الصالحة والصحبة الشريرة في النفس، وقد ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلًا فقال: "مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة. ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة" (١). لذلك فإن مصاحبة الإِنسان لإِنسانٍ آخر تنحصر اهتماماته في متاع الدنيا، واللهو واللعب وقضاء الوقت فيما لا يفيد، تشغل النفس البشرية بالمعاصي والذنوب التي تجرها هذه الأمور، لأنها لم تقيد بالقيود والضوابط الشرعية الصحيحة، لذلك نهى القرآن الكريم عن مصاحبة قرناء السوء، {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (٢)، ورغَّب في صحبة الأخيار ومجالستهم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (٣)، وذلك لأن في مصاحبتهم أثرًا واضحًا في تهذيب الأخلاق، وسلامة القلب، ونقاء السريرة، وطلب العلوم ونشرها بين الناس.

إن السببين اللذين ذكرهما ابن الجوزي: وهما: طاعة النفس لإشباعها بما تشتهيه، ومصاحبة أهل الدنيا وما تجلبه من معاصي عليهم، يؤكدان أهمية تدريب النفس البشرية وتربيتها على الاعتدال في إشباع الشهوات، وضبطها بالضوابط الإِسلامية الصحيحة، مع أهمية وجود القدوة أو الصحبة الصالحة للفرد لتساعده وتعينه على مجاهدة نفسه، والأخذ بيده بالرفق والمودة والمحبة، لتصحيح مسار شهواته، وجعل دوافعه وسائل مقويةً على طاعة الله تعالى ورضاه.

سادسًا: طرق توجيه النفس البشرية وتهذيبها

إن طبيعة النفس البشرية هي طبيعة مزدوجة فيها الكثير من


(١) مرجع سابق، العسقلاني. فتح الباري بشرح صحيح البخاري. الجزء التاسع، ص ٦٦٠، كتاب الذبائح والصيد، باب المسك، حديث رقم ٥٥٣٤.
(٢) سورة الكهف، الآية ٢٨.
(٣) سورة الكهف، الآية ٢٨.

<<  <   >  >>