للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذات إلى الغضب للحق أو الغضب في الله، والنزوع للقتال دفاعًا عن النفس فقط إلى النزوع للدفاع عن الحق وانتشار كلمة الله وسيادة الإِسلام" (١). وتتحول الشهوة من الانغماس في المال والجنس والجاه والسلطان إلى السيطرة والاستبداد والظلم إلى الخير والتعمير والبناء، وهكذا تتحول جميع الانفعالات إلى صلاح الإنسان إذا أحسن توجيهها، وأما إذا أفرط فيها خرج من إنسانيته إلى وحشية الحيوانات، فعلى الإنسان أن يجاهد نفسه ويدربها على ضبط انفعالاتها بما فيه استقراره وأمنه وأمانه. وبما يساعده على أداء مهمة الخلافة الأرضية بما يرضي الله تعالى وعلى حسب المنهج الإِسلامي الحكيم.

رابعًا: خصائص النفس البشرية

إن طبيعة النفس البشرية -كما سبق ذكرها- طبيعة مزدوجة تجمع بين المادة والروح، ومن خلال امتزاج هذين العنصرين نتجت لدينا دوافع وصفات إنسانية متعددة ومتباينة ومتداخلة، لها وظائفها المختلفة في ربط الكائن البشري بالحياة وعمارة الأرض لتحقيق العبودية لله تعالى.

وقد كان لابن الجوزي رأيه في الطبيعة البشرية كما خلقها الله تعالى، فقال: "جواذب الطبع إلى الدنيا كثيرة، ثم هي من داخل، وذكر الآخرة أمر خارج عن الطبع، ثم هي غيب، وربما ظنّ من لا علم له أن جواذب الآخرة أقوى، لما يسمع من الوعيد في القرآن. وليس كذلك لأن مثل الطبع في ميله إلى الدنيا، كالماء الجاري يطلب الهبوط وإنما رفعه إلى فوق يحتاج إلى التكلّف" (٢).

وتأمُّل قول ابن الجوزي يدلّ على أن الطبيعة البشرية تمتلك طاقات ضخمة وهبها الله تعالى للإنسان، إلا أن هذه الطاقات لم تحفظه من نقطة ضعف أصيلة في تكوينه النفسي وهي حب الشهوات والميل إليها، وهذا الميل والحب للمتع الدنيوية قوي يطلب الهبوط بالإِنسان، فهو يحتاج إلى


(١) مرجع سابق، السمالوطي، د. نبيل، محمد، توفيق. الإسلام وقضايا علم النفس الحديث. ص ٩٦.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ١٢.

<<  <   >  >>