للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثًا: استخدام الأدلة الفطرية للإقناع

عندما فطر الله تعالى الإنسان على الإيمان بوجوده، زوده بالإدراك لمعرفة بعض الأمور التي تعتبر من البديهيات، يقول في هذا د. يالجن: "الاستدلال على وجود شيء غير مرئي بوجود دلائل مرئية أو حسية، ومثل أن إعادة إيجاد الشيء أسهل من إيجاده أول مرة، ودلالة الصنعة على الصانع، ودلالة الأثر على المؤثر، وإن الشيء لا يكون موجودًا وغير موجود في آن واحد، وإن المساويين لثالث متساويان. وغير ذلك من المبادئ الفطرية العقلية، التي يدّعي العقليون المثاليون أنها مبادئ يقينية تؤدي إلى حقائق يقينية" (١).

وهذا الإدراك البديهي الفطري، أيدته الآيات القرآنية، قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (٢). وقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (٣). إلى غير ذلك من الآيات.

وقد أورد ابن الجوزي أقوال عدة تؤيد فطرية الإيمان بوجود الله تعالى، ننتقي منها قوله: "إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- وضع في النفوس أشياء لا تحتاج إلى دليل. فالنفوس تعلمها ضرورةً، وأكثر الخلق لا يحسنون التعبير عنها، فإنه وضع في النفس أن المصنوع لابد له من صانع، وأن المبني لابد له من بانٍ، وأن الاثنين أكثر من الواحد، وأن الجسم الواحد لا يكون في مكانين في حالةٍ واحدةٍ. ومثل هذه الأشياء لا تحتاج إلى دليل" (٤). وقوله: "من رأى السماء مرفوعة، والأرض موضوعة، وشاهد الأبنية المحكمة، خصوصًا في جسد نفسه، علم أنه لابد للصنعة


(١) مرجع سابق، يالجن. جوانب الترببة الإِسلامية الأساسية. ص ١٥٨.
(٢) سورة العنكبوت، الآية ١٩.
(٣) سورة البقرة، الآية ١٦٤.
(٤) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٢٤٩.

<<  <   >  >>