للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقيدة والعقل والإيمان وأنه ليس بينهما أي تناقض أو صراع إذا ما فُهما حق الفهم. وهذه فكرة لم يناقشها ابن الجوزي لكونه مسلمًا يدين العقيدة الربانية التي جاءت أحكامها وتشريعاتها موافقة للعقل البشري والإيمان الفطري، فحتى في الغيبيات مثلًا لا يحس المسلم بالتناقض أو الصراع وإنما يخاطب العقل البشري.

كذلك قام الفكر الأوروبي بمحاولة صياغة العقائد والمبادئ الدينية في عبارات منطقية وتدعيمها على أساس من المنطق الأرسطوطاليسي. وابن الجوزي لم يناقش ذلك، ولكن ناقش -بصفة عامة- آراء الفلاسفة وتابعيهم الذين ينقلون "من حكمة سقراط وأبقراط وأفلاطون وأرسطوطاليس وجالينوس" (١)، ثم بين أن هؤلاء الفلاسفة "كانت لهم علوم هندسية ومنطقية وطبيعية واستخرجوا بفطنهم أمورًا خفية إلا أنهم لما تكلموا في الإلهيات خلّطوا ولذلك اختلفوا فيها ولم يختلفوا في الحسيات والهندسيات" (٢).

وبذلك نلاحظ أننا لا نستطيع مقارنة عصر ابن الجوزي بأفكاره التربوية الإسلامية بالعصر الأوروبي وأفكاره، لتركيز الأوروبيين الواضح على الديانة المسيحية، ومحاولة التحرر منها في خطواتها الأولى. وبذلك يكون الفكر التربوي لابن الجوزي فكرًا تربويًا متميزًا، لأنه استقاه من المنهج التربوي الإسلامي.

ثانيًا: موازنة آراء ابن الجوزي بآراء معاصريه من المسلمين في الفترة الزمنية نفسها

إن سبب موازنة آراء ابن الجوزي بآراء معاصريه من المسلمين، هو بيان مدى التشابه أو الاختلاف، أو التأثير فيهم والتأثر بهم، ثم مدى الترابط الفكري بين علماء المسلمين، رغم البعد المكاني، والتقارب الزمني.

تمثل المدة من (٥١٠ - ٥٩٧ هـ) فترة ازدهار الحضارة العلمية


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. تلبيس إبليس. ص ٤٩.
(٢) المرجع السابق، ص ٤٩.

<<  <   >  >>