للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوعظ وفي ذلك يقول "وكان الرفض في هذه الأيام قد كثر فكتب صاحب المخزن إلى أمير المؤمنين المستضيء إن لم تقو يدي ابن الجوزي لم تطق على دفع البدع، فكتب أمير المؤمنين بتقوية يدي" (١).

٣ - اكتفى ابن الجوزي بسرد الأحداث السياسية كما هي دون نقد أو تمحيص أو حتى محاولة بيان النواحي الطيبة أو السيئة في المجتمع، ما عدا نقده للمتصوفين. كما أنه لم يتفاعل مع أحداث عصره بالفرح أو الحزن من دخول الصليبيين أو خروجهم من الدولة الإسلامية بل سرد الأحداث سردًا عاديًا، وهذه النقطة أثارت استغراب الدكتور الصباغ الذي تساءل قائلًا: "لماذا لم يطرق ابن الجوزي موضوع الحرب الصليبية؟ علمًا أن مدة حياة ابن الجوزي كانت في أيام الحروب الصليبية، فكنت أنتظر من هذا الرجل أن يعالج هذا الخطب الجلل في موضوعاته الوعظية، ومؤلفاته العديدة، غير أنني لم أجد أنه وفى هذا الموضوع حقه .. بل لم يطرقه ولو طرقًا خفيًا. ولا أدعي أن الرجل لم يتكلم في الجهاد ولا أنه لم يبين ضلال النصارى وعداوتهم للإسلام .. لكن الذي أريد أن أقرره أن من يتصل بالناس كثيرًا عن طريق الوعظ يجب أن يلمس أثر الواقع المؤلم الذي يحياه الناس في كلامه ونصحه، وهذا الذي لم أحس به وأنا أقرأ في كتبه وآثاره من زمن بعيد، وربما كانت هناك أوضاع سياسية معينة تمنع من الكلام، لكن الأثر كان يظهر على الرغم من المنع، لو أن هذا الواقع والألم منه سيطر على المتكلم سيطرة تامة -نقول هذا- ونحن نمر اليوم في وضع مشابه وتغيب سحائب الألم وزفرات الحسرة في كتابة كثير من الكتاب المعاصرين" (٢).

ثالثًا: عصر ابن الجوزي من الناحية الأخلاقية

نتيجة تعدد الخلفاء، وكثرة الحروب، والفتن والاضطرابات،


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. المنتظم في تاريخ الملوك والأمم. الجزء العاشر، ص ٢٥٩.
(٢) ابن الجوزي، الإمام أبو الفرج، عبد الرحمن بن علي. كتاب القصّاص والمذكرين. (تحقيق) الصباغ، د. محمد، لطفي، بيروت، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، عام ١٤٠٣ هـ - ١٩٨٣ م، ص ٤٤ - ٤٥.

<<  <   >  >>