للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في طلب الدنيا، ولا يعلم أخبار الآخرة، ولا يعرف فرضًا من الفرائض" (١).

ونتيجة هذا الفهم القاصر لظاهر المنهج الإسلامي كله، وانحصاره في عبادات تقليدية لا روح فيها، ولا خلق ولا سلوك، نشأت في الأُمّة الإِسلامية أجيال ضعيفة الإيمان، سطحية التفكير، تافهة الاهتمامات، تعيش حياتها في حيرة واضطراب وخواء. لذلك لابد من تغيير هذه الطريقة التقليدية العقيمة، التي تعطل طاقات الأفراد، وتسلبهم الاستمتاع بنعمة الإيمان، ويجب أن يستبدل بها طريقة عملية فعالة توقظ القلوب، وتحرك العقول، وتهذب السلوك، وهذا لن يتم إلا من أصحاب الهمم العالية الذين فهموا حقيقة الإيمان واستشعروا ما فيه من حيوية وعظمة وسمو.

ثانيًا: التركيز على جوانب العقيدة المؤثرة

إن اهتمام المنهج التربوي الإِسلامي بفهم العقيدة السليمة الدافعة للعمل الصالح، والسلوك القويم، هو الأساس لتربية هذا الجانب، لأنه يزيد الإيمان ويقويه ويدفع الناشئ إلى الفضائل. أما الاهتمام بالأمور الجدلية حول صفات الله تعالى، فمنهي عنها لأنها تثير الشكوك في النفوس وقد تؤدي إلى الكفر. وقد بيَّن ابن الجوزي طريقة التفكير في هذه الأمور العقائدية بقوله: "فينبغي أن يوقف في إثباته على دليل وجوده، ثم يستدل على جواز بعثه رسله، ثم تُتلقى أوصافه من كتبه ورسله، ولا يزاد على ذلك. ولقد بحث خلق كثير عن صفاته بآرائهم فعاد وبال ذلك عليهم" (٢). ثمَّ بيَّن ابن الجوزي الأسباب التي تدعو المرء إلى عدم الخوض في الأمور العقائدية وتأويلها. فقال: "إن الشرع قنع منا بالإيمان جملة، وبتعظيم الظواهر، ونهى عن الخوض فيما يثير غبار شبهة، ولا تقوى على قطع طريقه أقدام الفهم. وإذا كان قد نهى عن الخوض في القدر، فكيف يجوز الخوض في صفات المقدّر؟ وما ذاك إلا لأحد الأمرين اللذين ذكرتهما: إما لخوف إثارة شبهة تزلزل العقائد، أو


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. أحكام النساء. ص ٣.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٧٦.

<<  <   >  >>