للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن قوى البشر تعجز عن إدراك الحقائق" (١). لذلك فالمنهج التربوي الإِسلامي، يركز على الجوانب الحيوية المؤثرة في العقيدة، التي تجعل الناشئ يدرك حقيقة وجوده، وأهمية عمارة الأرض بما يرضي الله تعالى، مستخدمًا في ذلك طاقاته وقدراته، لاستغلال خيرات الكون، وتسخيرها لعبادة الله تعالى.

أهم جوانب العقيدة المؤثرة هي:

١ - الجانب الأول: الإيمان بالله، لأنه الخالق والرازق والمالك والواهب والمحي والمميت. وهذا الإيمان يزيد بالتفكر في مخلوقات الله تعالى، والتدبر في آلائه. قال ابن الجوزي: "فرأيت من الجبال الهائلة، والطرق العجيبة. ما أذهلني، وزادت عظمة الخالق -عَزَّ وَجَلَّ- في صدري" (٢).

٢ - الجانب الثاني: الإيمان بالحياة الآخرة. إذا آمن الإنسان بالحياة الآخرة، وأنها دار الإقامة الدائمة والخالدة. وأن الدنيا مزرعة رابحة للآخرة، إذا أحسن المرء استغلالها في الأعمال الصالحة، والطاعات الواجبة والنافلة. وربط حياته الآخرة يما يصيبه في الدنيا، فإنه لا شك سيكون في يقظةٍ دائمةٍ، ومحاسبيةٍ دقيقةٍ واستعدادٍ تام للقاء الله تعالى. وهذه المراقبة تضبط شهواته، وتقوم سلوكه، وتهذب خلقه، وتقلل من ارتباطه وتعلقه بالدنيا. قال ابن الجوزي في هذا المعنى: "همة المؤمن متعلقة بالآخرة، فكل ما في الدنيا يحركه إلى ذكر الآخرة، وكل من شغله شيء فهمته شغله .. والمؤمن إذا رأى ظلمةً ذكر ظلمة القبر، وإن رأى مؤلمًا ذكر العقاب، وإن سمع صوتًا فظيعًا ذكر نفخة الصور، وإن رأى الناس نيامًا ذكر الموتى في القبور، وإن رأى لذة ذكر الجنة، فهمته متعلقة بماثُمَّ، وذلك يشغله عن كل ماتَم" (٣) والمؤمن في ذكر دائم، وشوق حائر، بين الجنة والنار. وهذه اليقظة هي التي تسدد طريقه، وتصحح اتجاهه وتصلح أعماله. قال ابن الجوزي: "وأعظم ما عنده أن


(١) المرجع السابق، ص ١٨٤.
(٢) المرجع السابق، ص ١٥٤.
(٣) المرجع السابق، ص ٣٩٩ - ٤٠٠.

<<  <   >  >>