للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتخايل دوام البقاء في الجنة، وأن بقاءه لا ينقطع ولا يزول، ولا يعتريه منغّص، فيكاد إذا تخايل نفسه متقلبًا في تلك اللذات الدائمة التي لا تفنى، يطيش فرحًا، ويسهل عليه ما في الطريق إليها من ألم ومرض وابتلاء وفقد محبوب، وهجوم الموت ومعالجة غصصه .. ثم يتخايل المؤمن دخول النار والعقوبة فيتنغص عيشه، ويقوى قلقه، فعنده بالحالين شغل عن الدنيا وما فيها، فقلبه هائم في بيداء الشوق تارة، وفي صحراء الخوف أُخرى، فما يرى البنيان" (١). وهكذا ارتباط الحياة الدنيا بالآخرة من العوامل الإيجابية، التي تحي القلوب.

٣ - الجانب الثالث: الإيمان الصادق بشمولية الأحكام التشريعية لجميع جوانب الحياة الدنيوية وأن الشريعة من عند الله تعالى، وهو المشرع الوحيد لكل ما أنزل في قرآنه الكريم وسنة نبيه الأمين - صلى الله عليه وسلم -. وأن ما أنزله وشرعه يتلاءم مع فطرة الناس التي خلقهم بها، وأن هذه التشريعات جاءت لتنظيم حياتهم، وتدبير مصالحهم بما يكفل لهم سعادة الدارين. قال ابن الجوزي: "ينبغي لمن آمن بالله تعالى أن يسلّم له في أفعاله، ويعلم أنه حكيم ومالك، وأنه لا يعبث" (٢). ثم عليه أن يتدبر في الحكمة من خلقه وإيجاده. قال ابن الجوزي: "فإذا كان ما خلق لنا لم يخلق عبثًا، أفنكون نحن .. ونحن مواطن معرفته ومجال تكليفه قد وجدنا عبثًا؟ ومثل هذا الجهل إنما يصدر ممن ينظر في قضايا العقول التي يحكم بها على الظواهر مثل أن يرى مبنيًا (بناءً) ينقض. والعقل بمجرده لا يرى ذلك حكمة ولو كشفت له حكمة لعلم أنه صواب. كما كشف لموسى مراد الخضر في خرق السفينة وقتل الغلام. ومعلوم أن ذبح الحيوان، وتقطيع الرغيف، ومضغ الطعام لا يظهر له فائدة على الإطلاق. فإذا علم أنه غذاء لبدن من هو أشرف بدنًا من المذبوح، حسن ذلك الفعل.

واعجبًا!! أوَما تقضي العقول بوجوب طاعة الحكيم، الذي تعجز عن معرفة حِكَمِه مخلوقاته. فكيف تعارضه في أفعاله؟ " (٣).


(١) المرجع السابق، ص ٤٠٠.
(٢) المرجع السابق، ص ٤٦٥.
(٣) المرجع السابق، ص ٤٠٢.

<<  <   >  >>