للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العابد، قد أخذ كوزًا من ماءٍ بارد، فصبه في الحبّ واكتال غيره، فقلت له في ذلك، فقال: نظرت نظرةً وأنا شاب، فجعلت على نفسي ألا أذيقها الماء البارد، أنغص عليها أيام الحياة" (١).

يؤخذ على ابن الجوزي قَصِّهِ لهذه القصة التي تخالف المنهج التربوي الإِسلامي، الذي لا يجيز تحريم الطيبات التي أباحها الله تعالى، لزجر النفس البشرية وعقابها، إلى حدّ الحرمان من المباحات التي جعل الله فيها عونًا للعبد على عبادته وطاعته. قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (٢). وكان الأحرى به وهو عالم جليل، سبق أن وضحنا رأيه السديد في تهذيب النفس البشرية وتربيتها على مبدأ الاعتدال، أن يرشد إلى أن تنغيص العيش، ينبغي أن يكون عن طريق المحاسبة والمجاهدة لهذه النفس العاصية، الأمّارة بالسوء، حتى تصل إلى النفس اللوامة ثم إلى النفس المطمئنة، بدلًا من حرمانها من المباحات، فلا تقوى على الطاعات.

سادسًا: الوسائل النفسية الإيحائية لتقوية الإرادة

الإيحاء: "هو انتقال الأفكار من شخصٍ إلى آخر، أو انتقال الأفكار والآراء من مؤثر إلى متأثر" (٣). وقد يكون الإيحاء من الشخص إلى نفسه، كأن يقول لنفسه: إنك قوي الإرادة، وتملك شخصية قوية، فمع تكرار ذلك مرارًا في كل يوم تقوى إرادة الإنسان. وطبيعة الإيحاء في المنهج التربوي الإِسلامي، يستمدّ قوته الروحية من قوة الله تعالى وهديه وتشريعه، قال الله تعالى: {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (٤). وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (٥).

ومن مصادر الإيحاء الذاتي بالقوة، الاعتزاز بالإيمان بالله تعالى


(١) المرجع السابق، الجزء الأول، ص ٣٦١ - ٣٦٢.
(٢) سورة الأعراف، الآية ٣٢.
(٣) مرجع سابق، زيدان. معجم المصطلحات النفسية والتربوية. ص ١٩١.
(٤) سورة البقرة، الآية ١٦٥.
(٥) سورة الذاريات، الآية ٥٨.

<<  <   >  >>