للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتوكّل عليه. قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} (١). وقال -عز وجل-: {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (٢). لذلك فالمؤمن القوي أفضل من المؤمن الضعيف، لأنه يستمدّ قوته وعزته من صلته بالله تعالى، ومن اتباعه لأوامر الله -عز وجل- واجتنابه لنواهيه.

وفي هذا المعنى يقول ابن الجوزي: "ومتى صحت التقوى رأيت كلَّ خيرٍ، والمتقي لا يرائى الخلق، ولا يتعرض لما يؤذي دينه، ومن حفظ حدود الله حفظه الله" (٣)، ثم وثَّقَ كلامه بوصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس -رضي الله عنهما-: "احفظِ اللهَ يحفظْك. احفظِ اللهَ تجده أمامك" (٤). ثم ضرب مثلًا لنبي الله يونس -عليه السلام-، عندما أنقذه إيمانه بالله تعالى من سجنه في بطن الحوت، أما فرعون هلك بسبب كفره وطغيانه. فقال في ذلك ابن الجوزي: "إن يونس -عليه السلام- لما كانت ذخيرته خيرًا نجا بها من الشدة. قال الله -عز وجل-: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (٥). أما فرعون فلما لم تكن له ذخيرة خير لم يجد في شدته مخلَّصًا، فقيل له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} (٦). فأجعل لك ذخائر خير من تقوى تجد تأثيرها" (٧). ويقصد ابن الجوزي بالذخائر التي يتمسك بها الإنسان ويستمد منها قوته مراعاةُ تطبيق شرع الله تعالى وأحكامه، فقال في ذلك: "واعلم أن أوفى الذخائر: غضّ الطرف عن محرم، وإمساك اللسان عن فضول كلمةٍ، ومراعاة لحد، وإيثار الله سبحانه وتعالى على هوى النفس" (٨). ثم استشهد بقصة (٩) الثلاثة الذين دخلوا الغار، وتوسلوا لله تعالى بصالح أعمالهم، فقال فيها: "وقد عرفت حديث الثلاثة الذين دخلوا إلى غارٍ، فانطبقتْ علهيم صخرةٌ، فقال أحدهم: اللهم


(١) سورة فاطر، الآية ١٠.
(٢) سورة النساء، الآية ١٣٩.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. لفتة الكبد إلى نصيحة الولد. ص ٥٥.
(٤) مرجع سابق، ابن حنبل، أحمد. المسند. الجزء الأول ص ٢٩٣.
(٥) سورة الصافات، الآيتان ١٤٣ - ١٤٤.
(٦) سورة يونس، الآية ٩١.
(٧) مرجع سابق، ابن الجوزي. لفتة الكبد إلى نصيحة الولد. ص ٥٥.
(٨) المرجع السابق، ص ٥٦.
(٩) المرجع السابق، ص ٥٦.

<<  <   >  >>