للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من صانع، وللمبني من بانٍ" (١). ثم بيَّن ابن الجوزي أن وجود الله تعالى يتأكد من خلال مخلوقاته، فقال في ذلك: "وأما المتعلق بالمعبود جلَ جلاله فقد منع الشرع من التفكير في ذات الله -عَزَّ وَجَلَّ- وصفاته، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "تفكرُوا في خلقِ اللهِ ولا تتفكروا في اللهِ، فإنكم لن تقدروا قدرَه".

فلم يبق إلا النظر في الآثار التي تدل على المؤثر. وجميع الموجودات من آثار قدرته. وأعجب آثاره الآدمي، فإنك إذا تفكرت في نفسك كفى، وإذا نظرت في خلقك شفى. أليس قد فعل في قطرة من ماء ما لو انقضت الأعمار في شرح حكمته ما وفت" (٢).

وهذا القول مصداق لقول الله تعالى -على الرغم من أن ابن الجوزي لم يستشهد به فيما طالعته- عندما يدعونا الله للتفكر في طبيعة النفس البشرية، ثم في خلق الإنسان من ماء مهين. قال الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (٣). وقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} (٤).

وفي هذا المعنى قال ابن الجوزي: "من أكبر الدليل على وجود الخالق سبحانه، هذه النفس الناطقة المميزة المحركة للبدن على مقتضى إرادتها، فقد دبرت مصالحها، وترقت إلى معرفة الأفلاك، واكتسبت ما أمكن تحصيله من العلوم، وشاهدت الصانع من المصنوع" (٥)، وقوله في خلق الإنسان: "أنشأه من قطرةٍ، وبناه على أعجب فطرةٍ، ورزقه الفهم والذهن واليقظة والعلم. وبسط له المهاد، وأجرى له الماء والريح، وأنبت له الزرع، ورفع له من فوقه السماء، فأوقد له مصباح الشمس بالنهار، وجاء بالظلمة ليسكن، إلى غير ذلك، مما لا يخفى. وكله ينطق


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. لفتة الكبد إلى نصيحة الولد. ص ٤٤.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. التبصرة. (تحقيق) عبد الواحد، د. مصطفى، الجزء الأول، ص ٥٩.
(٣) سورة فصلت، الآية ٥٣.
(٤) سورة الطارق، الآيات من ٥ - ٩.
(٥) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٢٥٣.

<<  <   >  >>