للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العظيمة، والاشتغال بالعلم والعمل لله وحده، وذلك بالإضافة إلى حفظ الحدود الشرعية، والتكاليف الإلهية التي أمر بها جل جلاله، مع دوام ذكره ودعائه واللجوء إليه في كل الأحوال. فهذه أقواله في ذلك: "كلما أوغلت المفهوم في معرفة الخالق، فشاهدت عظمته ولطفه ورفعته، تاهت في محبته فخرجت عن حد الثبوت" (١). وقوله: "ولينظر في سير الكاملين من السلف، وليتشاغل بالعلم فإنه الدليل. فحينئذ يحمله الأمر على الخلوة بربه، والاشتغال بحبه، فيكون ما ظهر منه ثمرة نضجةً لا فجّة" (٢). وقال: "ينبغي أن يكون العمل كله لله ومعه ومن أجله. وقد كفاك كل مخلوق وجلب لك كل خير. وإياك أن تميل عنه بموافقة هوى وإرضاء مخلوق، فإنه يعكس عليك الحال ويفوتك المقصود، وفي الحديث: "من أرضى الناسَ بسخطِ اللهِ عاد حامدُه من الناسِ ذامًا". وأطيب العيش عيش من يعيش مع الخالق سبحانه" (٣). ثمَّ يتابع ابن الجوزي في عرض الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى فيقول: "فإن قيل: كيف يعيش معه؟ قلت: بامتثال أمره، واجتناب نهيه، ومراعاة حدوده، والرضى بقضائه، وحسن الأدب في الخلوة، وكثرة ذكره، وسلامة القلب من الاعتراض في أقداره. فإن احتجت سألته، فإن أعطى وإلا رضيت بالمنع، وعلمت أنه لم يمنع بخلًا، وإنما نظرًا لك. ولا تنقطع عن السؤال لأنك تتعبد به، ومتى دمت على ذلك رزقك محبتهُ وصدق التوكل عليه، فصارت المحبة تدلك على المقصود، وأثمرت لك محبته إياك، فتعيش عيشة الصدّيقين" (٤).

وابن الجوزي في آرائه لمحبة الله تعالى، يستخدم الأسلوب الاستفهامي، الذي يثير في النفس حب المعرفة للطرق والوسائل التربوية المفيدة لتعميق هذه المحبة الدافعة إلى الالتزام بكل ما أمر، والابتعاد عن كل ما نهى. وهذا الأسلوب فعّال في إثارة النفس، ومخاطبة الوجدان، وإقناع العقل بضرورة محبة الخالق جل جلاله.


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٤١٧.
(٢) المرجع السابق، ص ٤٣٣.
(٣) المرجع السابق، ص ٤٥١.
(٤) المرجع السابق، ص ٤٥١.

<<  <   >  >>