للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحبة لله تعالى: "فكيف بمن صنع تلك الصور المعنوية وابتدأها؟ " (١) ألا يستحق أن يكون الحب كله له. . . ويُقصدُ بكل عمل وجهه جل جلاله.

فيردّ على سؤاله، بإجابة تعمق حب الله تعالى في النفوس، فقال: "وكيف لا أحب من وهب لي ملذوذات حسي وعرفني ملذوذات علمي؟ فإن التذاذي بالعلم وإدراك العلوم أَولى من جميع اللذات الحسية، فهو الذي علمني وخلق لي إدراكًا وهداني إلى ما أدركته" (٢). ثم يواصل ابن الجوزي في سرد نعم الله تعالى التي تثمر المحبة في القلوب. فيقول: "ثمَّ إنه يتجلى لي في كل لحظة في مخلوق جديد، أراه فيه بإتقان ذلك الصنع، وحسن ذلك المصنوع. فكل محبوباتي منه، وعنه، وبه، الحسية والمعنوية، وتسهيل سبل الإدراك به، والمدركات منه، وألذ من كل لذةٍ عرفاني له، فلولا تعليمه ما عرفته. وكيف لا أحب من أنا بِهِ، وبقائي منه، وتدبيري بيده، ورجوعي إليه، وكل مستحسن محبوب هو صَنَعَه وحسَّنه وزيَّنه وعطف النفوس إليه. . . ." (٣) ثم بيَّن ابن الجوزي مقامات المحبة، فقال: "وعلى قدر رؤية الصانع يقع الحب له. فإن قوي أوجب قلقًا وشوقًا. وإن مال بالعارف إلى مقام الهيبة أوجب خوفًا. وإن انحرف به إلى تلمح الكرم أوجب رجاءً قويًا" (٤). وقد استقى ابن الجوزي هذه المقامات الثلاثة، التي تعتبر أساس السلوك والسير إلى الله، من قول الله تعالى (وهو لم يستشهد بهذه الآية هنا): {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (٥).

ثمَّ بين ابن الجوزي الطريقة التربوية السليمة لغرس محبة الله تعالى في القلوب، عن طريق التفكر في مخلوقات الله تعالى، وعجائب قدرته


(١) المرجع السابق، ص ٤٤.
(٢) المرجع السابق، ص ٤٤.
(٣) المرجع السابق، ص ٤٥.
(٤) المرجع السابق، ص ٤٥.
(٥) سورة الإسراء، الآيتان ٥٦ - ٥٧.

<<  <   >  >>