للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (١). وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (٢). وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثٌ من كن فيه وجدَ حلاوةَ الإيمانِ، أن يكون اللهُ ورسولُه أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرءَ لا يحبُه إلا للهِ، وأن يكرَه أن يعودَ في الكفرِ كما يكرهُ أن يُقذفَ في النارِ" (٣). والهدف من الخوف من الله تعالى اجتناب نواهيه، وترك معاصيه، وهذه العاطفة تحمي الإنسان من الوقوع في الرذيلة والمعاصي. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (٤).

وقد كان لابن الجوزي رأي في عاطفتي الحب والخوف من الله تعالى، لتأثيرهما الفعال في توجيه السلوك وضبطه بطاعة الله تعالى ومحبته والخوف منه. فقال في معنى محبة الله تعالى: "تأملتُ قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (٥). فإذا النفس تأبى إثبات محبة للخالق توجب قلقًا، وقالت: محبته طاعته، فتدبرتُ ذلك، فإذا بها قد جهلت ذلك لغلبة الحسّ. وبيان هذا: إن محبة الحس لا تتعدى الصور الذاتية، ومحبة العلم والعمل ترى الصور المعنوية فتحبها" (٦).

ثمَّ بيَّن ابن الجوزي كيف تقع المحبة في نفوس الناس، فقال: "فإنا نرى خلقًا يحبون أبا بكر - رضي الله عنه -، وخلقًا يحبون عليًا بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وقومًا يتعصبون لأحمد بن حنبل، وقومًا للأشعري، فيقتتلون ويبذلون النفوس في ذلك. وليسوا ممن رأى صور القوم، ولا صور القوم توجب المحبة. ولكن لمّا تصورت لهم المعاني فدلَّتهم على كمال القول في العلوم، وقع الحب لتلك الصور التي شوهدت بأعين البصائر" (٧). ثم يتساءل ابن الجوزي ليصل إلى حقيقة


(١) سورة آل عمران، الآية ٣١.
(٢) سورة النور، الآية ٥٢.
(٣) مرجع سابق، العسقلاني. فتح الباري بشرح صحيح البخاري. الجزء الأول، ص ٦٠، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، حديث رقم ١٦.
(٤) سورة النساء، الآية ١٤.
(٥) سورة المائدة، الآية ٥٤.
(٦) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٤٤.
(٧) المرجع السابق، ص ٤٤.

<<  <   >  >>