اليوم حقيقة الإسلام وروحه وقيمه وفكره وحضارته، "وزاد الأمر تعقيدا أنه في غمرة المحاولات للحاق بالركب تم نقل هذه الكتابات بخيرها وشرها، وبما تحمله في طياتها من خلفية إلحادية منكرة لا تؤمن بغير المادة، مما أدى إلى إثارة الكثير من البلبلات الفكرية في العالم الإِسلامي في وقت فُتن الناس فيه بمنجزات العلوم والتقنية، وحوصرت معاهد التربية الإسلامية حتى خُنقت وفُرضت على الأمة نظم تعليمية علمانية في جوهرها وفلسفتها ومحتواها ومناهجها وأهدافها وإن نطقت الأُمّة بالشهادتين، وأدت من العبادات ما استطاعت أن تؤديه"(١).
ومن هنا كان لابد من الرجوع إلى كتب التراث واستخراج درره القيمة .. وكنوزه النفيسة، وهو الرجوع بالتربية والتعليم إلى أصالة الأمة الإسلامية وعزتها .. وإلى توحيد الفكر التربوي الإسلامى للأُمة العربية والإسلامية كلها، بالاعتماد على الكتاب والسنة اللذَين يتميزان بالأصالة والثبات والصدق والواقعية والشمول والتكامل وتصوير النفس البشرية كما خلقها الله تعالى، حتى نصل في النهاية إلى تكوين الشخصية المؤمنة المجاهدة التي تستطيع مواجهة صعوبات ومتطلبات الحياة، مهتدية بمبادئ تتفق مع عقيدة هذه الأُمة ومنهجها.
ومن خلال هذا التصور لمشكلة البحث، تبرز لنا تساؤلات عدة تدور حول موضوع الدراسة، وهي التساؤلات الآتية:
١ - ما مدى توافر فكر تربوي متكامل في ثنايا مؤلفات ابن الجوزي؟
٢ - ما مدى موافقة آراء ابن الجوزي ومبادئه التربوية للقرآن والسنة باعتبارهما المصدرين الأساسيين للتربية الإِسلامية؟ وما مدى مراعاته القواعد الأصولية التشريعية؟
٣ - ما مدى اتفاق واختلاف آراء ابن الجوزي التربوية مع بعض الاتجاهات التربوية المعاصرة؟
(١) النجار، زغلول، راغب. أزمة التعليم المعاصر. الكويت، مكتبة الفلاح، الطبعة الأولي، ١٤٠٠ هـ -١٩٨٠ م، ص ١٦٥.