للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متواردة على معنى واحد، وهو حالة وصفه للقلب يكتنفها أمران: علم وعمل.

العلم يقدمه لأنه: أصله وشرطه.

والعمل يتبعه لأنه: ثمرته وفرعه، وذلك لأن كل عمل، أعني كل حركة وسكون اختياري، فإنه لا يتم إلا بثلاثة أمور: علم، وإرادة، وقدرة؛ لأنه لا يريد الإنسان ما لا يعلمه فلابد وأن يعلم، ولا يعمل ما لم يرد فلابد من إرادة. ومعنى الإرادة: انبعاث القلب إلى ما يراه موافقًا للغرض إما في الحال أو في المآل" (١). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمالُ بالنيةِ، وإنما لامرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرتُه إلى اللهِ ورسولهِ، فهجرتُه إلى اللهِ ورسوله. ومن كانت هجرته لدنيا يصيبُها أو امرأةٌ يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" (٢).

وقد أدرك ابن الجوزي أهمية إخلاص النية لله تعالى في قبول العمل، فقال: "وليعلم المرائي أن الذي يقصده يفوته، وهو التفات القلوب إليه. فإنه متى لم يخلص حُرِم محبة القلوب ولم يلتفت إليه أحد، والمخلص محبوب؛ فلو علم المرائي أن قلوب الذين يرائيهم بيد من يعصيه لما فعل. وكم رأينا من يلبس الصوف، ويظهر النسك لا يُلتفت إليه، وآخر يلبس جيد الثياب ويبتسم، والقلوب تحبه" (٣).

كما بيَّن ابن الجوزي دور النية الخيرة في حثّ الإنسان على الالتزام بالأعمال الصالحة، فقال: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة. ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل. ولتكن نيته في الخير قائمة، من غير فتورٍ بما يعجز عنه البدن من العمل" (٤).


(١) مرجع سابق، الغزالي. إحياء علوم الدين. الجزء الرابع، ص ٣٨٤ - ٣٨٥.
(٢) مرجع سابق، النيسابوري. صحيح مسلم. الجزء الثالث، ص ١٥١٥ - ١٥١٦، كتاب الإمارة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم - "إنما الأعمال بالنية"، وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال، حديث رقم ١٥٥ - (١٩٠٧).
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٣٨٧.
(٤) المرجع السابق، ص ٢٠، وفي. صيد الخاطر. (تحقيق) الطنطاويان. ص ٥٠ "بما لا يعجز عنه البدن من العمل".

<<  <   >  >>