للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتمتع بالطيبات مما هو حلال، مأكلًا ومشربًا وملبسًا ومسكنًا ومركبًا، وما أشبه ذلك" (١).

٢ - وقال ابن الجوزي في ذم الهوى: "وإذا عرف العاقل أن الهوى يصير غالبًا، وجب عليه أن يرفع كل حادثة إلى حاكم العقل، فإنه سيشير عليه بالنظر في المصالح الآجلة، ويأمره عند وقوع الشبهة باستعمال الأحوط في كفّ الهوى، إلى أن يتيقن السلامة من الشر في العاقبة" (٢).

ورأي ابن الجوزي هذا يثير في القارئ تساؤلًا وهو هل الحسن ما حسّنه العقل، والقبيح ما قبحه العقل؟ وهل يستطيع العقل أن يدرك الحسن والقبيح دون اعتبار للشرع؟

إن قول ابن الجوزي "يرفع كل حادثة إلى حاكم العقل" اختلف فيه علماء المسلمين"، وخلاصة رأيهم أن "مقياس الحسن والقبح للأفعال بالنسبة لهم ما ورد في شريعتهم لا ما تدركه عقولهم بالاتفاق. فما أمر به الشارع فهو حسن ومطلوب فعله ويثاب فاعله، وما نهى عنه الشارع فهو قبيح ومطلوب تركه ويعاقب فاعله" (٣).

وعلى ذلك كان الأولى بابن الجوزي أن يقول: (يرفع الأمر إلى حاكم الشرع والعقل)، وليس إلى حكم العقل فقط، وذلك يتضح من حديث معاذ عندما أرسله الرسول - صلى الله عليه وسلم - قاضيًا إلى اليمن فقال له: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ فقال: أقضي بكتاب الله قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا في كتاب الله؟ قال: اجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما يرضي رسول الله" (٤).


(١) المرجع السابق، المجلد الثاني، ص ١٠ - ١١.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. ذم الهوى. ص ١٣.
(٣) مرجع سابق، خلّاف. علم أصول الفقه. ص ٩٩.
(٤) مرجع سابق، الأزدي. سنن أبي داود. الجزء الثالث، ص ٣٠٣، كتاب الأقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء، حديث رقم ٣٥٩٢.

<<  <   >  >>