للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للقائهم قطع الكاغد (الورق) وبري الأقلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لابد منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي" (١).

قال ابن الجوزي عن نفسه: "ثم لم يحبب إليّ فن واحد منه بل فنونه كلها" (٢) ومن هذا الحب، انطلق ابن الجوزي يكتب في جميع ميادين المعرفة؛ فقد فاق أقرانه في الوعظ وتفرد فيه حتى أطلق عليه واعظ الآفاق، وتميزت مجالسه الوعظية بكثرة عدد حاضريه، "فكان يحزر جمع مجلسي على الدوام بعشرة آلاف وخمسة عشر ألفًا" (٣)، وجمعت في مجالسه كل الطبقات الاجتماعية من "الخليفة والوزير وصاحب المخزن وكبار العلماء" (٤)، وكان أسلوبه مؤثرا فإذا وعظ "اختلس القلوب، وتشققت النفوس دون الجيوب" (٥)، ومن شدة تأثيره "أسلم على يده -كما ذكر- نحو من مائتين من أهل الذمة وتاب في مجالسه أكثر مائة ألف، وقد قطع أكثر من عشرين ألف سالف (٦) مما يتعاناه الجهال" (٧).

-أعتقد- أن ابن الجوزي بما أوتي من فصاحة وبلاغة وعذوبة بالإضافة إلى "حلاوة ترصيعه، ونفوذ وعظه وغوصه على المعاني البديعة، وتقريبه الأشياء الغريبة فيها يشاهد من الأمور الحسية، بعبارة وجيزة سريعة الفهم والإدراك، بحيث يجمع المعاني الكثيرة في الكلمة اليسيرة" (٨)، و"استشهاده بالأحاديث الموضوعة في كتبه


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٢٢٨.
(٢) المرجع السابق، ص ٣٧.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. المنتظم في تاريخ الملوك والأمم. الجزء العاشر، ص ١٩٤.
(٤) المرجع السابق، الجزء العاشر، ص ٢٨٤.
(٥) مرجع سابق، ابن رجب. الذيل على طبقات الحنابلة. الجزء الأول، ص ٤١٣.
(٦) معنى سالف: الشعر الذي يتدلى من الرأس من جانب العنق إلى جانب الكتف. إن قطع السالف إشارة من المؤلف إلى توبة من كان يعتني بإطالة سالفه كمظهر من مظاهر الخنوثة التي كانت فاشية في زمانه، كالظاهرة التي نراها الآن.
(٧) مرجع سابق، ابن الجوزي. لفتة الكبد إلى نصيحة الولد. ص ٤٧.
(٨) مرجع سابق، ابن كثير. البداية والنهاية. الجزء الثالث عشر، ص ٢٨.

<<  <   >  >>