للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السلف لم تُسمع في مجلسه غيبة ولا كان يطلب أجرًا على سماع الحديث، وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقائق بكى واتصل بكاؤه فكان -وأنا صغير السن حينئذ- يعمل بكاؤه في قلبي، ويبني قواعد الأدب في نفسي، وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل" (١).

أما الشخصية الثانية فهو الشيخ أبو منصور الجواليقي (٢)، الذي قال بشأنه ابن الجوزي: "فكان كثير الصمت، شديد التحري فيما يقول، متقنًا محققًا. وربما سئل المسألة الظاهرة التي يبادر بجوابها بعض غلمانه فيتوقف فيها حتى يتيقن. وكان كثير الصوم والصمت، فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما" (٣).

كما تأثر ابن الجوزي بالإمام الغزالي، على الرغم من أنه توفي سنة ٥٠٥ هـ قبل ولادته بخمس سنوات تقريبًا. وتأثر ابن الجوزي بالغزالي جاء نتيجة قراءته واطلاعه على مؤلفاته التي قال عنها: "وصنف الكتب الحسان في الأصول والفروع التي انفرد بحسن وضعها وترتيبها وتحقيق الكلام فيها حتى إنه صنف في حياة أستاذه الجويني (٤)، فنظر الجويني في كتابه المسمى بـ المنخول فقال له: دفنتني وأنا حي هلا صبرت حتى


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ١٤٣.
(٢) سبق ترجمته في الباب الثاني، الفصل الأول، ص ٥٦.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ١٤٣.
(٤) هو عبد الملك بن الشيخ أبي محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه، أبو المعالي الجويني، وجوين من قرى نيسابور، الملقب بإمام الحرمين، لمجاورته بمكة أربع سنين، كان مولده في سنة (٤١٩ هـ)، سمع الحديث وتفقه على والده الشيخ أبي محمد الجويني، ودرَّس بعده في حلقته، وتفقه على القاضي حسين، ودخل بغداد وتفقه بها، وروى الحديث وخرج إلى مكة فجاور فيها أربع سنين، ثم عاد إلى نيسابور فسلم إليه التدريس والخطابة والوعظ، وصنف نهاية المطلب فى دراية المذهب. والبرهان في أصول الفقه، وغير ذلك في علوم شتى. توفي في الخامس والعشرين من ربيع الأول من سنة (٤٧٨ هـ). انظر ابن كثير. البداية والنهاية. الجزء الثاني عشر، ص ١٢٨.

<<  <   >  >>