للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومات ابن الإِمام الشافعي رضي الله عنه فأنشدَ: وما الدّهرُ إِلاّ هكذا فاصْطبرْ لهُ * * رزِيَّةُ مالٍ أو فِراقُ حَبِيب قال أبو الحسن المدائني: مات الحسنُ والدُ عبيد الله بن الحسن، وعبيدُ الله يومئذ قاضي البصرة وأميرُها، فكثر من يعزّيه، فذكروا ما يتبيّنُ به جزعُ الرجل من صبره، فأجمعوا على أنه إذا ترك شيئاً كان يصنعه فقد جزع.

قلت: والآثار في هذا الباب كثيرة، وإنما ذكرت هذه الأحرف لئلا يخلو هذا الكتاب من الإِشارة إلى طرف من ذلك، والله أعلم.

[فصل] :

في الإِشارة إلى بعض ما جرى من الطواعين في الإِسلام: والمقصود بذكره هنا التصبّر والتأسي بغيره، وأن مصيبة الإِنسان قليلة بالنسبة إلى ما جرى على غيره.

قال أبو الحسن المدائني: " كانت الطواعين المشهورة العظام في الإِسلام خمسة: طاعون شيرويه (١) بالمدائن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ستّ من الهجرة، ثم طاعون عمواس في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالشام، مات فيه خمسة وعشرون ألفاً، ثم طاعون في زمن ابن الزبير في شوّال سنة تسع وستين مات في ثلاثة أيام في كلّ يوم سبعون ألفاً، مات فيه لأنس بن مالك رضي الله عنه ثلاثة وثمانون ابناً، وقيل: ثلاثة وسبعون ابناً، ومات لعبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ابناً، ثم طاعون الفتيات في شوّال سنة سبع وثمانين، ثم طاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة في رجب، واشتدّ في رمضان، وكان يُحصى في سكة المِربد في كل يوم ألف جنازة، ثم خفّ في شوّال.

وكان بالكوفة طاعون سنة خمسين، وفيه توفي المغيرة بن شعبة.

هذا آخر كلام المدائني.

وذكر ابن قُتيبة في كتابه " المعارف " عن الأصمعي في عدد الطواعين نحو هذا، وفيه زيادة ونقص.

قال: وسمي طاعون الفتيات، لأنه بدأ في العذارى بالبصرة، وواسط، والشام، والكوفة، ويقال له: طاعون الأشراف، لِما مات فيه من الأشراف.

قال: ولم يقع بالمدينة ولا مكة طاعون قطّ.

وهذا الباب واسع، وفيما ذكرته تنبيهٌ على ما تركته، وقد ذكرتُ هذا الفصل أبسط من هذا في أوّل " شرح صحيح مسلم " رحمه الله، وبالله التوفيق.


(١) بكسر الشين المعجمة وإسكان الياء وضم الراء فواو ساكنة ثم ياء متوحة ثم هاء، ويجوز فيه فتح الراء والواو وإسكان الهاء، وعلى الأول أكثر المحدثين فرارا من لفظ " ويه ".
(*)

<<  <   >  >>