الطباق بخطه، ثم رحل إلى الشام بعد الثمانين صحبة صهره الحافظ نور الدين الهيثمي فسمع الكثير، ثم رجع وهو مع ذلك ملازم للاشتغال بالفقه والعربية والفنون حتى مهر واشتهر، ولازم الشيخ وغيره من علماء عصره، وصار من أعيان جماعة الشيخ وحفظ وكتب عنه الكثير.
قال ابن حجر: نشأ صَيِّناً دَيِّناً خَيّراً مع جمال الصورة وطيب النغمة والتودد إلى الناس وناب في الحكم، ودرس في عدة أماكن ثم استقر في جهات والده بعد وفاته، وعقد مجلساً للإملاء واشتهر صيته، وصنف التصانيف وخرج التخاريج وولي مشيخة الحاكمية.
ثم ولي منصب القضاء بعد القاضي جلال الدين ابن الشيخ، وباشر سنة وربع سنة مباشرة حسنة بعفةٍ ونزاهة وصلابة، إلى أن تعصب عليه بعض أهل الدولة فصرف فشق ذلك عليه جداً وانحرف مزاجه، وكان يصرح بأنه لو صرف بغير من صرف به لما شق عليه، لكنه صرف ببعض تلاميذه، وهو القاضي علم الدين صالح ابن الشيخ ومات مسلولًا مبطوناً في يوم الجمعة الثامن والعشرين من شعبان، كذا أرخه شيخنا الحافظ سنة ست وعشرين وثمان مائة، وله ثلاث وستون سنة وثمانية أشهر.
ومن تصانيفه تحرير الفتاوى وهي النكت في الكتب الثلاثة التنبيه والمنهاج والحاوي وجمع حواشي الشيخ على الروضة وشرح بهجة الحاوي لابن الوردي في مجلدين وهو نفيس، وشرح جمع الجوامع للسبكي في مجلد، وله وفيات ابتدأ فيها من سنة مولده، وله في الحديث مصنفات كثيرة نافعة ومحاسنه كثيرة.
وانتفع عليه كثيرون من الفضلاء، كان في آخر عمره على ما بلغني من جماعة من أصحابه يُقرأ عليه مصنفاته فقط.
وعرضت عليه المنهاج بمكة في ذي الحجة سنة اثنين وعشرين، وكان قدم بها حاجاً، وكان شكلًا حسناً عليه المهابة وعنده سكينة ووقار منوَّر الشيبة، وكتب بخطه إجازة حسنة وأثنى فيها على الوالد -رحمه الله- كثيراً، وقال لي: كان في عزمي الاجتماع به فلم يتيسر وزار تربته، وأجاز لي جميع مصنفاته ومروياته وأجاز لي المنهاج عن القاضي عز الدين ابن جماعة