يكن له محفوظ لكن له تصرُّف وذكاء فمهر وساد ودرّس وأفتى وتصدّى لإقراء الطلبة، وصار من أعيان الشافعية بل من مشايخهم بعد الفتنة.
واشتهر صيته وباشر الإِشغال بقلب وإقبال وقُصد بالفتاوى من الأقطار وكان مشهوراً حسن التقرير له في الأصول يد طُولى أخذه عن شيخه بالسماع والملازمة كما تقدم، وقرأ عليه أيضاً، وناب في الحكم عن القاضي شمس الدين الأخنائي فمن بعده، وكان مع ممارسته للدمشقين يغلب عليه لغة بلده وفي عبارته القاف بالكاف كعادة الحوارنة، وكان يقول الشعر فمنه:
واخجلتي وفضيحتي في موقف ... صعب المسالك والخلائق تعرض
وتوقعي لمهدِدٍ لي قائِل ... أصحيفة سودا وشعرك أبيض
ومنه أيضاً:
قوم أنابوا إلى الدنيا وزينتها ... وعمّروا رغبة فيها أماكنهم
ودمرتهم فلم تبق لهم مهجعا ... فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم
ومنه ما أنشده لنفسه في حال ضعفه لأنه مكث مدة بمرض الاستسقاء:
يا رب قد تعب العُوّاد بي ورجوا ... من سترك الواسع المسبول عافيتي
وإنني أرتجي ما قد رجوه فإن ... وافا وإلا فَجُد لي عند خاتمتي
واستمر به ذلك الضعف إلى أن توفي في جمادى الأولى سنة تسع عشرة وثمان مائة، ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه الزهري، ولم يحج وخلف تركة جيدة -رحمه الله تعالى-.
واجتمعت به مرات، وكان يمزح معي وأنا صغير ويغريه على ذلك الوالد -رحمهما الله تعالى-.