الحجازية فإن واقِفَتَها عمَّرتها لأجله، وولي قضاء الشام سنة تسع وستين فباشره مدةً يسيرةً ثم استعفى، وعاد إلى القاهرة.
ثم ولي تدريس الملكية بعد وفاة الشيخ جمال الدين الأسنوي وتدريس جامع طولون وقضاء العسكر بعد وفاة أبي حامد بن السبكي، وكان قد ولي قضاء الشام وإفتاء دار العدل في سنة خمس وستين رفيقاً لبهاء الدين السبكي من يَلبُغا الخاصكي مدبر المملكة إذ ذاك، ودرس بالصلاحية جوار الشافعي وبالظاهرية الجديدة التفسير وله ميعاد فيها بعد صلاة الجمعة وليها مِن واقِفِها الظاهر برقوق الجركسي ودرس أيضاً بالبدرية والبيبرسية والأشرفية ثم نزل بعد ذلك عن وظائفه لِوَلَدَيه بدر الدين وجلال الدين، واستقر بيده الظاهرية الجديدة والزاوية إلى حين موته.
وصار هو الإمام المشار إليه والمعول في المشكلات والفتاوى عليه، وأتته الفتاوى من الأقطار البعيدة، ورحل الناس من الآفاق النائية للقراءة عليه، والحضور بين يديه.
وخرّج له تلميذه شيخنا الحافظ ابن حجر أربعين حديثاً عن أربعين شيخاً، وخرّج له تلميذه شيخنا العلامة الحافظ ولي الدين العراقي مائة حديث من عواليه وأبداله.
وقد أثنى عليه علماء عصره طبقة بعد طبقة من قبل الخمسين إلى حين وفاته، وكان الشيخ شمس الدين الأصفهاني كثير التعظيم له، وأجازه الشيخ أبو حيان وكتب له في إجازته ما لم يكتب لأحد قبله وسِنُّه إذ ذاك دون العشرين، وكان الشيخ عز الدين بن جماعة يعظمه ويبالغ في تعظيمه جداً، وكتب له ابن عقيل على بعض تصانيفه: أحق الناس بالفتوى في زمانه، وقال له أيضاً: لِمَ لا تكتب على سِيبَويه شرحاً هذا مع اتفاق الناس في ذلك الزمان على أن ابن عقيل هو المرجوع إليه في علم النحو.
وذكر له ولده القاضي جلال الدين ترجمة في مجلدةٍ مشتملةٍ على مناقبه وفوائده وأنشد قول القائل: