وأحضر على الميدومي وأبي الحسن العرضي وأبي عبد الله البياني، وسمع على جده وأجاز له جماعة من شيوخ العصر من مصر والشام، استدعاه الحافظ زين الدين العراقي وحبب إليه الاشتغال فأكب عليه ولم يلتفت إلى شيء من الأشياء إلا إليه فمهر في النحو والمعاني والبيان والمنطق وتوغل في علم الكلام والطب وكان آية من الآيات في معرفة العلوم الأدبية والعقلية والأصلين فأخذ عنه غالب أهل مصر. قال صاحبنا العلامة جمال الدين الطيماني وكان ممن يقرأ عليه وسمع دروسه، قال: وكانت إذ ذاك نحو خمسين درساً في اليوم والليلة في دقائق العلوم.
قال: وكان يستحضر الكفاية لابن الرفعة، ومع ذلك فليس هو ممن يشار إليه في علم الفقه.
وقال شيخنا الحافظ قاضي القضاة ابن حجر في وفياته: أنه فاق الأقران بذكائه وقوة حافظته وحسن تقريره وتصدى للإشغال فكان لا يمل من اطراح التكلف وعدم الحرص والتقنع باليسير.
وصنف التصانيف الكثيرة المبسوطة والمختصرة منها شرح الجوامع وحاشية على العضد، وقد جمع تصانيفه في نحو عشرين فناً ورتبها وهي تزيد على مائتي مصنف ضاع أكثرها بأيدي الطلبة ولم يكن يقرأ كتاباً إلا ويكتب عليه حاشية وما سمع أحد شخصاً في عصره تقريراً أحسن من تقريره.
وقد صنف في العروض وفنون الأدب ولم تكن له ملكة في النظم ولا في حسن الاختصار، وكان من علو همته لا ينظر شيئاً إلا وأحب أن يقف على أصله ويشارك فيه حتى أن له تصنيف في الرمي وفي لعب الرمح والنشاب وله كتب. . . .
وبالجملة: وكان عنده من العلوم بحيث يقضي له في كل علم بالجميع.
وبلغني أنه كان يتحرى أن لا يكون إلا على طهارة، ولا يمكن أحداً عنده من الغيبة مع ما هو فيه من ممازحة الطلبة ومفاكهتهم والتواضع المفرط.
مات في شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وثمان مائة عن سبعين سنة شهيداً بالطاعون رحمه الله تعالى ولم يخلف بعده مثله. انتهى.