وأما سبطه الذي نحن بصدد ترجمته آنفاً فهو صاحبنا العلامة الفاضل البارع الورع تاج الدين، أحد فضلاء زمانه بل أوحدهم وزين النبلاء بل عينهم، أعجوبة زمانه وأوحد أقرانه.
توفي والده وهو صغير فكفلته أمه الخيرة فاطمة بنت الشهيد فقامت به أحسن القيام إلى أن ترعرع وتعلم القرآن العظيم وصلى به، ثم قرأ المنهاج وغيره من المختصرات في الفنون وكانت فيه رائحة النجابة من صغره وهو في الكتاب لا يلعب كعادة الصبيان ولا يشتغل بما هم فيه، بل عليه السكينة والوقار.
ثم أكب على الاشتغال وتخرج على الشيخ برهان الدين بن خطيب عذراء فقيه الشام في زمنه -الآتي في حرف الهمزة- حتى برع وأذن له شيخه المذكور بالإفتاء مع جماعة من أقرانه وأظنه في سنة اثنين وعشرين وسنه فوق العشرين بيسير.
ثم لزم شيخنا العلامة شمس الدين البرماوي المصري لما سكن الشام مدة إقامته كما ستعرفه في ترجمته وقرأ عليه وحضر دروسه، وكان كثير الملازمة له وأذن له أيضاً بالإفتاء والتدريس.
ثم أقبل على الإشغال وانتفع به الناس وأكب عليه سائر الأسبوع بجامع العقيبة ثم بجامع دمشق المسمى بجامع بني أمية مع السكينة والدين وعدم الغيبة، لا يمكن أحداً من طلبته يغتاب في مجلسه وتصدر، لذلك مع ضبط أوقاته وصرفها في أنواع الخيرات وطبقة شيوخه متوافرون والغالب منهم يغبطه بما منحه الله تعالى ويثني عليه الجميل وكان إشغاله من الضحى إلى قريب الغروب لا يقوم من مجلسه إلا نادراً ولقد قال لي جماعة من طلبته الملازمين له أنه لم يضبط عليه القيام إلى بيت الخلاء في هذا الوقت والسبب في ذلك والعلم عند الله أنه كان يصوم غالب الدهر ولا يأكل إلا ما يسد خلته وتخرج عليه جماعة وكان يقرأ في غالب الفنون، وكان في غضون طلبه سمع الحديث وقرأ صحيح مسلم على حافظ الشام الذي في حرف العين جمال الدين البعلي المشهور بابن الشرائحي وقرأ المعقول على