وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى حَيٍّ مِنْ قَيْسٍ أُعَلِّمُهُمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، قَالَ: فَإِذَا هُمْ قَوْمٌ كَأَنَّهُمْ الْإِبِلُ الْوَحْشِيَّةُ طَامِحَةٌ أَبْصَارُهُمْ لَيْسَ لَهُمْ هَمٌّ إلَّا شَاةٌ أَوْ بَعِيرٌ، فَانْصَرَفْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا عَمَّارُ مَا عَمِلْتَ؟ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ قِصَّةَ الْقَوْمِ وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا فِيهِمْ مِنْ السَّهْوَةِ فَقَالَ: يَا عَمَّارُ أَلَا أُخْبِرُك بِأَعْجَبَ مِنْهُمْ؟ قَوْمٌ عَلِمُوا بِمَا جَهِلَ أُولَئِكَ ثُمَّ سَهَوْا كَسَهْوِهِمْ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ الْأَعْوَرُ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ: «إنِّي لَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي مُؤْمِنًا وَلَا مُشْرِكًا، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَحْجِزُهُ إيمَانُهُ وَأَمَّا الْمُشْرِكُ فَيَقْمَعُهُ كُفْرُهُ، وَلَكِنْ أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ مُنَافِقًا عَلِيمَ اللِّسَانِ، يَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ، وَيَعْمَلُ مَا تُنْكِرُونَ» وَصَحَّ: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ» . وَصَحَّ عَنْ ابْنٍ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ: «إنِّي لَأَحْسِبُ الرَّجُلَ يَنْسَى الْعِلْمَ كَمَا تَعَلَّمَهُ لِلْخَطِيئَةِ يَعْمَلُهَا» .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ قَالَ: «نُبِّئْت أَنَّ بَعْضَ مَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ يَتَأَذَّى أَهْلُ النَّارِ بِرِيحِهِ فَيُقَالُ لَهُ وَيْلَكَ مَا كُنْتَ تَعْمَلُ مَا يَكْفِينَا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الشَّرِّ حَتَّى اُبْتُلِينَا بِك وَبِنَتْنِ رِيحِك؟ فَيَقُولُ كُنْتُ عَالِمًا فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِعِلْمِي» . تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ.
فَإِنْ قُلْت: التَّغْلِيظُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَاتِ أَوْ فَعَلَ الْمُحَرَّمَاتِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ عَدَمِ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ، وَلَوْ فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَحِينَئِذٍ فَلَوْ سُلِّمَ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ لَمْ يَحْسُنْ عَدُّهُ كَبِيرَةً مُغَايِرَةً لِنَحْوِ تَرْكِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي.
قُلْتُ: يُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ عَدُّهُ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ مَعَ الْعِلْمِ أَفْحَشُ مِنْهَا مَعَ الْجَهْلِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَيْضًا تِلْكَ الْأَحَادِيثُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا يَأْتِي فِي الْمَعْصِيَةِ بِحَرَمِ مَكَّةَ وَنَحْوِهِ مِنْ أَنَّ شَرَفَهُ اقْتَضَى فُحْشَ الْمَعْصِيَةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، فَكَذَلِكَ الْعَالِمُ إذَا أَفْحَشَ فِي فِعْلِ الصَّغَائِرِ فَلَا بُعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ كَبِيرَةً بِوَاسِطَةِ مَا أُوتِيَهُ مِنْ تِلْكَ الْمَعَارِفِ الْمُقْتَضِيَةِ لِانْزِجَارِهِ عَنْ الْمَكْرُوهَاتِ فَضْلًا عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute