مِنْ دَاعٍ يَدْعُو لِشَيْءٍ إلَّا وَقَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَازِمًا لِدَعْوَتِهِ مَا دَعَا إلَيْهِ، وَإِنْ دَعَا رَجُلٌ رَجُلًا» .
وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ فِيهِ لِينٌ: «إنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ، وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ مِغْلَاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ مِغْلَاقًا لِلْخَيْرِ» . تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَهُوَ مُضَاعَفَةُ تِلْكَ الْآثَامِ، وَذَلِكَ لِمُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ الْمُضَاعَفَةَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا الْحِسَابُ.
فَإِنْ قُلْت: إنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ الَّتِي سَنَّهَا كَبِيرَةً فَعَدُّهَا غَيْرُ صَحِيحٍ، أَوْ غَيْرَ كَبِيرَةٍ فَعَدُّهَا مُشْكِلٌ.
قُلْت: بَلْ الْوَجْهُ حَمْلُ عَدِّهَا كَبِيرَةً، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ عَلَى مَا إذَا سَنَّ صَغِيرَةً وَلَا إشْكَالَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا سَنَّهَا لِغَيْرِهِ فَاقْتَدَى بِهِ فِيهَا فَحُشَتْ وَتَضَاعَفَ عِقَابُهَا فَصَارَتْ بِذَلِكَ كَالْكَبِيرَةِ، بَلْ وَأَعْظَمَ بِكَثِيرٍ إذْ الْكَبِيرَةُ يَنْقَطِعُ إثْمُهَا بِالْفِرَاعِ مِنْهَا وَهَذِهِ إثْمُهَا مُتَضَاعِفٌ مُسْتَمِرٌّ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُ جَمْعًا عَدُّوا مِنْ الْكَبَائِرِ الْإِحْدَاثَ بِالدِّينِ وَاسْتَدَلُّوا بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا» . قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَدَثِ نَفْسِهِ، فَكُلَّمَا كَانَ أَكْبَرَ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ أَعْظَمَ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَمِنْهُ «مَنْ دَعَا لِضَلَالَةٍ أَوْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً» . انْتَهَى، وَفِي ذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِمَا ذَكَرْته.
[الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ تَرْكُ السُّنَّةِ]
أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ إلَى الَّتِي بَعْدَهَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ لَمَّا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ وَنَكْثِ الصَّفْقَةِ وَتَرْكِ السُّنَّةِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا الْإِشْرَاكُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا نَكْثُ الصَّفْقَةِ وَتَرْكُ السُّنَّةِ؟ قَالَ: أَمَّا نَكْثُ الصَّفْقَةِ أَنْ تُبَايِعَ رَجُلًا بِيَمِينِك ثُمَّ تُخَالِفَ إلَيْهِ فَتَقْتُلَهُ بِسَيْفِك، وَأَمَّا تَرْكُ السُّنَّةِ: فَالْخُرُوجُ مِنْ الْجَمَاعَةِ» . قَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَيُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute