[الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ]
{الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ: عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: ٣٤] .
وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِالْعُهُودِ، وَهِيَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَحَرَّمَ، وَمَا فَرَضَ، وَمَا حَدَّ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الضَّحَّاكُ هِيَ الَّتِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ يُوَافُوا بِهَا مِمَّا أَحَلَّ وَحَرَّمَ وَمِمَّا فَرَضَ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ إنَّهُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. أَيْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِالْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْكُمْ فِي شَأْنِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١٨٧] ، وَمِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ: أَرَادَ بِهَا الْحِلْفَ الَّذِي تَعَاقَدُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْعُقُودُ أَوْكَدُ الْعُهُودِ. إذْ الْعُهُودُ إلْزَامٌ، وَالْعُقُودُ إلْزَامٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِحْكَامِ وَالِاسْتِيثَاقِ، مِنْ عَقَدَ الشَّيْءَ بِغَيْرِهِ وَصَلَهُ بِهِ كَمَا يُعْقَدُ الْحَبْلُ بِالْحَبْلِ؛ وَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ هُوَ الْمَعْرِفَةَ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ إظْهَارُ الِانْقِيَادِ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي جَمِيعِ التَّكَالِيفِ أَمَرَ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ قَدْ الْتَزَمْتُمْ بِإِيمَانِكُمْ أَنْوَاعَ الْعُقُودِ وَإِظْهَارَ الطَّاعَةِ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي سَائِرِ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ فَأَوْفُوا بِتِلْكَ الْعُهُودِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَرَأْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى نَجْرَانَ وَفِي صَدْرِهِ: هَذَا بَيَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] إلَى {سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: ٤] فَالْمَقْصُودُ التَّكَالِيفُ فِعْلًا وَتَرْكًا، وَسُمِّيَتْ عُقُودًا لِأَنَّهُ - تَعَالَى - عَقَدَ أَمْرَهَا وَحَتَمَهُ وَأَوْثَقَهُ فَلَا انْحِلَالَ لَهُ، وَقُلْ: هِيَ الْعُقُودُ الَّتِي يَتَعَاقَدُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ فِيمَا مَرَّ أَنَّهَا عَامَّةٌ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى صِحَّةِ نَحْوِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَعَضَّدَهَا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: ٧] {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: ١٧٧] " أَوْفِ بِنَذْرِك " وَنَفْيُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْعَقَدَ، وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الطَّلَقَاتِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ فَحَرُمَ رَفْعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَخَالَفَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ هَذَا الْعُمُومَ مَخْصُوصٌ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» وَالْخَبَرِ الصَّحِيحِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute