وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ الرَّدُّ عَلَى أُولَئِكَ الَّذِينَ فَهِمُوا مِمَّا تَوَهَّمُوهُ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ أَنَّ مَا هُنَا مُعْتَمَدٌ حَيْثُ جُعِلَ أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ.
[بَابُ الْحَجْرِ]
[الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ]
(الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ) قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: ١٠] «قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ غَطَفَانَ وُلِّيَ مَالَ ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ صَغِيرٌ يَتِيمٌ فَأَكَلَهُ» . وَقَوْلُهُ {ظُلْمًا} [النساء: ١٠] : أَيْ لِأَجْلِهِ أَوْ حَالَ كَوْنِهِمْ ظَالِمِينَ، وَخَرَجَ بِهِ أَكْلُهَا بِحَقٍّ كَأَكْلِ الْوَالِي بِشُرُوطِهِ الْمُقَرَّرَةِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٦] أَيْ بِمِقْدَارِ الْحَاجَةِ فَحَسْبُ، أَوْ بِأَنْ يَأْخُذَ قَرْضًا أَوْ بِقَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ أَوْ إنْ اُضْطُرَّ فَإِنْ أَيْسَرَ قَضَاهُ وَإِلَّا فَهُوَ فِي حِلِّ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ، الصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَنَا أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِالنَّظَرِ لَهُ فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا، فَإِنْ كَانَ وَصِيًّا وَشَغَلَهُ عَنْ كَسْبِهِ النَّظَرُ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ وَلَوْ بِلَا قَاضٍ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أُجْرَتِهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ مُؤْنَتِهِ اللَّائِقَةِ بِهِ عُرْفًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَقَلِّ.
أَمَّا الْقَاضِي فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا مُطْلَقًا. وَأَمَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْأُمُّ الْوَصِيَّةُ فَلَهُمْ الْكِفَايَةُ إذْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ فِي مَالِ الْوَلَدِ، وَلَوْ تَضَجَّرَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ مِنْ النَّظَرِ فِي مَالِ وَلَدِهِ نَصَّبَ لَهُ الْقَاضِي قَيِّمًا أَوْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي وَقَدَّرَ لَهُ أُجْرَةً مِنْ مَالِ الْوَلَدِ حَيْثُ لَا مُتَبَرِّعَ، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْقَاضِي بِتَقْدِيرِ أُجْرَةٍ لَهُ وَلَوْ فَقِيرًا، وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَخْلِطَ طَعَامَهُ بِطَعَامِ الْيَتِيمِ، وَأَنْ يُضَيِّفَ مِنْ الْمَخْلُوطِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ كَأَنْ يَكُونُ أَوْفَرَ عَلَيْهِ مِمَّا لَوْ أَكَلَ وَحْدَهُ، وَأَنْ تَكُونَ الضِّيَافَةُ مِمَّا زَادَ عَلَى قَدْرِ مَا يَخُصُّ الْيَتِيمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَ {إِنَّمَا} [النساء: ١٠] إلَخْ خَبَرُ (إنَّ) ، وَ {فِي بُطُونِهِمْ} [النساء: ١٠] مُتَعَلِّقٌ بِيَأْكُلُونَ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ أَوْ حَالٌ مِنْ نَارٍ: أَيْ نَارًا كَائِنَةً فِي بُطُونِهِمْ، وَذُكِرَ تَأْكِيدًا أَوْ مُبَالَغَةً عَلَى حَدِّ {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ} [آل عمران: ١٦٧] {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: ٣٨] وَأَفَادَ كَوْنُهُ ظَرْفًا لِيَأْكُلُونَ أَنَّ بُطُونَهُمْ أَوْعِيَةُ النَّارِ، إمَّا حَقِيقَةً بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهُمْ نَارًا يَأْكُلُونَهَا فِي بُطُونِهِمْ أَوْ مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ وَإِرَادَةِ السَّبَبِ لِكَوْنِهِ يُفْضِي إلَيْهِ وَيَسْتَلْزِمُهُ.
وَالْمُرَادُ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْإِتْلَافِ، فَإِنَّ ضَرَرَ الْيَتِيمِ لَا يَخْتَلِفُ بِكَوْنِ إتْلَافِ مَالِهِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَخَصَّ الْأَكْلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ عَامَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute