للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّمَا كَانَتْ فِي الْمَيْتَةِ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ لَا فِي ذَبِيحَةِ تَارِكِ التَّسْمِيَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: ١٢١] وَالشِّرْكُ فِي اسْتِحْلَالِ الْمَيْتَةِ لَا فِي اسْتِحْلَالِ الذَّبِيحَةِ الَّتِي لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى الْوَاحِدِيُّ بِسَنَدِهِ أَحَادِيثَ فِي بَعْضِهَا حِلُّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ سَهْوًا وَفِي بَعْضِهَا حِلُّهُ مُطْلَقًا.

وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا مِمَّا يُحَرِّمُ الذَّبِيحَةَ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِجَرِّ اسْمِ الثَّانِي أَوْ مُحَمَّدٍ إنْ عَرَفَ النَّحْوَ فِيمَا يَظْهَرُ، أَوْ أَنْ يَذْبَحَ كِتَابِيٌّ لِكَنِيسَةٍ أَوْ لِصَلِيبٍ أَوْ لِمُوسَى أَوْ لِعِيسَى، وَمُسْلِمٌ لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَقَرُّبًا لِسُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لِلْجِنِّ، فَهَذَا كُلُّهُ يُحَرِّمُ الْمَذْبُوحَ وَهُوَ كَبِيرَةٌ عَلَى مَا مَرَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدَ الْفَرَحَ بِقُدُومِهِ أَوْ شُكْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَوْ قَصَدَ إرْضَاءَ سَاخِطٍ أَوْ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ لِيَدْفَعَ عَنْهُ شَرَّ الْجِنِّ.

[الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَةِ تَسْيِيبُ السَّوَائِبِ]

(الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: تَسْيِيبُ السَّوَائِبِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} [المائدة: ١٠٣] . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ» .

تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْجَاهِلِيَّةِ الْمُقْتَضِي لِشِدَّةِ الْوَعِيدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ» . وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: مَنْ مَلَكَ صَيْدًا ثُمَّ سَيَّبَهُ أَثِمَ وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ وَإِنْ قَالَ عِنْدَ إرْسَالِهِ أَبَحْته لِمَنْ يَأْخُذُهُ، لَكِنْ عِنْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ لِمَنْ أَخَذَهُ أَكْلُهُ لَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُلْقِيهِ الْمُلَّاكُ إعْرَاضًا عَنْهُ كَكِسْرَةِ خُبْزٍ وَسَنَابِلَ الْحَصَّادِينَ، وَمِنْ ثَمَّ يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ.

خَاتِمَةٌ لَوْ اخْتَلَطَ حَمَامُهُ بِحَمَامِ غَيْرِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ، وَمَا تَنَاسَلَ مِنْهُمَا لِمَالِكِ الْإِنَاثِ فَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ مِلْكِهِ بِالِاجْتِهَادِ وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ أَوْ نَحْوُ دِرْهَمٍ أَوْ دُهْنٍ حَرَامٍ بِدَرَاهِمِهِ أَوْ دُهْنِهِ جَازَ لَهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ إفْرَازُ قَدْرِ الْحَرَامِ وَصَرْفِهِ لِجِهَةِ اسْتِحْقَاقِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْبَاقِي، وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْقِسْمَةِ فَلِيَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي لِيُقَاسِمَهُ عَنْ الْمَالِكِ إنْ تَعَذَّرَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مَحَلُّ ضَرُورَةٍ إذْ لَا تَقْصِيرَ هُنَا مِنْ ذِي الْمَالِ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِالِاخْتِيَارِ، وَمَا لَا يَثْبُتْ بِالِاخْتِيَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>