[بَابُ الْإِيلَاءِ] [الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ الْإِيلَاءُ مِنْ الزَّوْجَةِ]
ِ (الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: الْإِيلَاءُ مِنْ الزَّوْجَةِ بِأَنْ يَحْلِفَ لَيَمْتَنِعَنَّ مِنْ وَطْئِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) . وَعَدِّي لِهَذَا كَبِيرَةً غَيْرُ بَعِيدٍ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُضَارَّةً عَظِيمَةً لِلزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ صَبْرَهَا عَنْ الرَّجُلِ يَفْنَى بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا قَالَتْهُ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لِأَبِيهَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَأَمَرَ أَنْ لَا يَغِيبَ أَحَدٌ عَنْ زَوْجَتِهِ ذَلِكَ، وَلِعَظِيمِ هَذِهِ الْمَضَرَّةِ أَبَاحَ الشَّارِعُ لِلْقَاضِي إذَا لَمْ يَطَأْ الزَّوْجُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ طَلْقَةً وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ أَئِمَّتِنَا: لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا فِي ذَلِكَ بِدَاعِيَةِ الطَّبْعِ إذْ الْمَرْأَةُ مَا دَامَ لَمْ يَقَعْ حَلِفٌ هِيَ تَتَرَجَّى الْوَطْءَ فَلَا يَحْصُلُ لَهَا كَبِيرُ ضَرَرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَيِسَتْ كَمَا هُنَا، وَكَمَا لَوْ تَحَقَّقَتْ عُنَّتَهُ فَإِنَّ الشَّارِعَ مَكَّنَهَا مِنْ الْفَسْخِ عَلَيْهِ بِشَرْطٍ، وَمَكَّنَ الْقَاضِي هُنَا مِنْ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ بِشَرْطِهِ دَفْعًا لِذَلِكَ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ عَنْهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.
[بَابُ الظِّهَارِ]
[الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ الظِّهَارُ]
بَابُ الظِّهَارِ (الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: الظِّهَارُ) قَالَ - تَعَالَى -: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة: ٢] . وَحِكْمَةُ {مِنْكُمْ} تَوْبِيخُ الْعَرَبِ وَتَهَجُّنُ عَادَتِهِمْ فِي الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَيْمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْأُمَمِ {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: ٢] أَيْ مَا نِسَاؤُهُمْ بِأُمَّهَاتِهِمْ حَتَّى يُشَبِّهُونَهُنَّ بِهِنَّ، إذْ حَقِيقَةُ الظِّهَارِ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ نَحْوَهَا.
{إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ} [المجادلة: ٢] أَيْ مَا أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا وَالِدَاتُهُمْ أَوْ مَنْ فِي حُكْمِهِنَّ كَالْمُرْضِعَةِ {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢] أَيْ شَيْءٌ مِنْ الْقَوْلِ مُنْكَرًا وَزُورًا: أَيْ بُهْتَانًا وَكَذِبًا إذْ الْمُنْكَرُ مَا لَا يُعْرَفُ فِي الشَّرْعِ. وَالزُّورُ الْكَذِبُ {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة: ٢] إذْ جَعَلَ الْكَفَّارَةَ مُخَلِّصَةً لَهُمْ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ. لَا يُقَالُ الْمُظَاهِرُ إنَّمَا شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِنَحْوِ أُمِّهِ فَأَيُّ مُنْكَرٍ وَزُورٍ فِيهِ؟ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنْ قَصَدَ بِهِ الْإِخْبَارَ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ مُنْكَرٌ وَكَذِبٌ أَوْ الْإِنْشَاءَ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ، وَالشَّرْعُ لَمْ يَجْعَلْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute