كَذَلِكَ، وَهَذَا غَايَةٌ فِي قُبْحِ الْمُخَالَفَةِ وَفُحْشِهَا، وَمِنْ ثَمَّ اُتُّجِهَ بِذَلِكَ كَوْنُ الظِّهَارِ كَبِيرَةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - سَمَّاهُ زُورًا، وَالزُّورُ كَبِيرَةٌ كَمَا يَأْتِي. وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ مِنْ الْكَبَائِرِ.
[بَابُ اللِّعَانِ]
[الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ قَذْفُ الْمُحْصَنِ أَوْ الْمُحْصَنَةِ]
. بَابُ اللِّعَانِ (الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: قَذْفُ الْمُحْصَنِ أَوْ الْمُحْصَنَةِ بِزِنًا أَوْ لِوَاطٍ وَالسُّكُوتُ عَلَى ذَلِكَ) . قَالَ - تَعَالَى -: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٥] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: ٢٣] {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: ٢٤] {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: ٢٥] أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الرَّمْيِ فِي الْآيَةِ الرَّمْيُ بِالزِّنَا وَهُوَ يَشْمَلُ الرَّمْيَ بِاللِّوَاطِ كَيَا زَانِيَةُ أَوْ بَغِيَّةُ أَوْ قَحْبَةُ، أَوْ لِزَوْجِهَا كَيَا زَوْجَ الْقَحْبَةِ، أَوْ لِوَلَدِهَا كَيَا وَلَدَ الْقَحْبَةِ، أَوْ لِبِنْتِهَا كَيَا بِنْتَ الزِّنَا، فَهَذَا كُلُّهُ قَذْفٌ لِلْأُمِّ، أَوْ لِرَجُلٍ يَا زَانِي أَوْ مَنْكُوحُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ يَقُولُ لَهُ يَا عِلْقُ. انْتَهَى.
وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ شُهْرَةِ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فِي الْقَذْفِ وَالشُّهْرَةُ تُوجِبُ الصَّرَاحَةَ عَلَى مَا قَالَهُ جَمْعٌ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ، فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ. وقَوْله تَعَالَى: {الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٢٣] أَيْ الْأَنْفُسُ الْمُحْصَنَاتُ فَيَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، أَوْ التَّقْدِيرُ وَالْمُحْصَنِينَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى اسْتِوَاءِ حُكْمِ النَّوْعَيْنِ فِي الْقَذْفِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِحْصَانِ هُنَا الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْعِفَّةُ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ، وَعَنْ وَطْءِ زَوْجَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ فِي دُبُرِهَا، فَمَنْ فَعَلَ وَطْئًا يُحَدُّ بِهِ أَوْ وَطِئَ حَلِيلَتَهُ فِي دُبُرِهَا لَمْ يَجِبْ عَلَى رَامِيهِ بِالزِّنَا حَدُّ الْقَذْفِ، وَإِنْ تَابَ وَصَلُحَ حَالُهُ؛ لِأَنَّ الْعِرْضَ إذَا انْخَرَمَ لَا يَلْتَئِمُ خَرْقُهُ أَبَدًا، نَعَمْ قَذْفُهُ بِالزِّنَا أَوْ نَحْوُهُ كَبِيرَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ يَأْتِي فِي النَّسَبِ.
وَعُلِمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا} [النور: ٤] إلَى آخِرِهِ أَنَّ سَبَبَ الْحَدِّ هُنَا إنَّمَا هُوَ إظْهَارُ تَكْذِيبِهِ وَافْتِرَائِهِ، فَمَنْ ثَبَتَ صِدْقُهُ بِأَنْ أَقَامَ أَرْبَعَةَ شُهَدَاءَ عُدُولٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute