[الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبُيُوعَاتِ الْفَاسِدَةِ]
ِ وَسَائِرِ وُجُوهِ الْأَكْسَابِ الْمُحَرَّمَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: ٢٩] وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِ، فَقِيلَ الرِّبَا وَالْقِمَارُ وَالْغَصْبُ وَالسَّرِقَةُ وَالْخِيَانَةُ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَأَخْذُ الْمَالِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَعَلَيْهِ قِيلَ لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَةُ تَحَرَّجُوا مِنْ أَنْ يَأْكُلُوا عِنْدَ أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ النُّورِ {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} [النور: ٦١] إلَى آخِرِهَا وَقِيلَ: هُوَ الْعُقُودُ الْفَاسِدَةُ، وَالْوَجْهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّهَا مُحْكَمَةٌ مَا نُسِخَتْ وَلَا تُنْسَخُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ اهـ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَكْلَ بِالْبَاطِلِ يَشْمَلُ كُلَّ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى جِهَةِ الظُّلْمِ كَالْغَصْبِ وَالْخِيَانَةِ وَالسَّرِقَةِ، أَوْ الْهُزْؤِ وَاللَّعِبِ كَالْمَأْخُوذَةِ بِالْقِمَارِ وَالْمَلَاهِي وَسَيَأْتِي ذَلِكَ كُلُّهُ، أَوْ عَلَى جِهَةِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ كَالْمَأْخُوذَةِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْآيَةُ تَشْمَلُ أَكْلَ الْإِنْسَانِ مَالَ نَفْسِهِ بِالْبَاطِلِ بِأَنْ يَتَفَقَّهَ فِي مُحَرَّمٍ وَمَالِ غَيْرِهِ بِهِ كَالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وقَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} [النساء: ٢٩] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ التِّجَارَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْبَاطِلِ بِأَيِّ مَعْنًى أُرِيدَ بِهِ وَتَأْوِيلُهُ بِالسَّبَبِ لِيَكُونَ مُتَّصِلًا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ وَالتِّجَارَةُ وَإِنْ اخْتَصَّتْ بِعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ إلَّا أَنَّ نَحْوَ الْقَرْضِ وَالْهِبَةِ مُلْحَقٌ بِهَا بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى.
وقَوْله تَعَالَى: {عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] أَيْ طِيبِ نَفْسٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَتَخْصِيصُ الْأَكْلِ فِيهَا بِالذِّكْرِ لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ بَلْ لِكَوْنِهِ أَغْلَبَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعَاتِ عَلَى حَدِّ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: ١٠] وَأَدِلَّةُ هَذَا الْمَبْحَثِ وَالتَّغْلِيظَاتُ الْوَارِدَةُ فِيهِ مِنْ السُّنَّةِ كَثِيرَةٌ فَلْنَقْتَصِرْ عَلَى بَعْضِهَا.
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: ٥١] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ١٧٢] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمُشْرَبُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute