قُلْت: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا لَا يَحْرُمُ احْتِكَارُهُ كَالثِّيَابِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ مِنْ سَعِيدٍ عَلَيْهَا أَوْ نَحْوِهَا، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَشَرْطُ تَحْرِيمِ احْتِكَارِ الْقُوتِ مَا مَرَّ، فَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّهُمَا كَانَا يَحْتَكِرَانِ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الشُّرُوطِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَسَعِيدٌ وَمَعْمَرٌ مُجْتَهِدَانِ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا وَلَا عَلَى غَيْرِهِمَا بِهِمَا، ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ وَجَمَاعَةً آخَرِينَ غَيْرَهُ قَالُوا مَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدٍ وَمَعْمَرٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَحْتَكِرَانِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا كَانَا يَحْتَكِرَانِ الزَّيْتَ وَالزَّيْتُ لَيْسَ بِقُوتٍ. قَالُوا وَكَذَا حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَجَوَابُ سَعِيدٍ أَنَّ مَعْمَرًا كَانَ يَحْتَكِرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَحْتَكِرُ مَا لَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ كَالزَّيْتِ وَالْأُدُمِ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ الِاحْتِكَارِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ عَامَّةِ النَّاسِ كَمَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ إنْسَانٍ طَعَامٌ وَاضْطُرَّ إلَيْهِ النَّاسُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ.
[الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا]
التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا الْغَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لَا بِنَحْوِ الْعِتْقِ وَالْوَقْفِ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ: «لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا وَبَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ: «مَلْعُونٌ مَنْ فَرَّقَ» وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ: هَذَا مُبْهَمٌ هُوَ عِنْدَنَا فِي السَّبْيِ وَالْوَالِدِ وَفِيهِ - كَاَلَّذِي قَبْلَهُ - انْقِطَاعٌ.
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ إلَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ أَيْضًا، لِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَأَحِبَّتِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَمْرٌ مُشِقٌّ عَلَى النَّفْسِ جِدًّا.
قُلْت: وَكَمَا أَخَذُوا مِنْ هَذَا حُرْمَةَ التَّفْرِيقِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْهُ الْوَعِيدَ، كَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute