نَأْخُذُ مِنْهُ كَوْنَهُ كَبِيرَةً لِأَنَّهُ حَيْثُ سُلِّمَ أَنَّهُ يُفْهَمُ الْوَعِيدُ فَذَلِكَ الْوَعِيدُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهَا ظَاهِرُهُ وَعِيدٌ شَدِيدٌ.
فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ الْوَعِيدِ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ - وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ - وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: ٣٤ - ٣٦] {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: ٣٧] {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} [عبس: ٣٨] الْآيَاتِ، فَظَاهِرُهَا أَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاقِعٌ لِكُلِّ أَحَدٍ فَكَيْفَ يُفْهَمُ مِنْهُ الْوَعِيدُ؟ قُلْت: سِيَاقُ الْحَدِيثِ نَصٌّ فِي أَنَّهُ وَعِيدٌ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ جَزَاءً وِفَاقًا» . وَالْمُرَادُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا يَشْمَلُ الْجَنَّةَ، فَمَا فِي الْآيَةِ يَكُونُ فِي الْمَوْقِفِ وَمَا فِي الْحَدِيثِ يَكُونُ فِي الْجَنَّةِ، وَكَمَا أَخَذُوا مِنْ حَدِيثِ الْحَرِيرِ أَنَّ لُبْسَهُ كَبِيرَةٌ كَمَا مَرَّ، كَذَلِكَ أَخَذْنَا مِنْ خَبَرِ التَّفْرِيقِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْجَزَاءَ عَلَى الْعَمَلِ بِنَظِيرِهِ، وَكَمَا أَنَّ خَبَرَ الْحَرِيرِ مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: ٢٣] كَذَلِكَ خَبَرُ التَّفْرِيقِ مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: ٢١] وَشَرْطُ حُرْمَةِ التَّفْرِيقِ أَنْ يَكُونَ بَيْنِ أَمَةٍ وَوَلَدِهَا الْغَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ بِنَحْوِ بَيْعٍ لِغَيْرِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَوْ قِسْمَةٍ أَوْ فَسْخٍ وَإِنْ رَضِيَتْ الْأُمُّ، لِأَنَّ لِلْوَلَدِ حَقًّا أَيْضًا وَيَبْطُلُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ، وَالْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ لِلْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَإِنْ بَعُدَا كَالْأُمِّ عِنْدَ فَقْدِهَا.
وَيَجُوزُ بَيْعُ الْوَلَدِ مَعَ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ وَكَذَا إنْ مَيَّزَ بِأَنْ صَارَ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِسِنٍّ، فَقَدْ يَحْصُلُ فِي نَحْوِ الْخَمْسِ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ السَّبْعِ وَيُكْرَهُ التَّفْرِيقُ وَلَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا.
وَيُحَرَّمُ التَّفْرِيقُ بِالسَّفَرِ أَيْضًا بَيْنَ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا الْغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ وَوَلَدِهَا بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ نَحْوَ بَيْعِ وَلَدِ الْبَهِيمَةِ إنْ اسْتَغْنَى عَنْ اللَّبَنِ أَوْ لَمْ يَسْتَغْنِ لَكِنْ اشْتَرَاهُ لِلذَّبْحِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ وَلَا قَصَدَ الذَّبْحَ حُرِّمَ وَبَطَلَ نَحْوُ الْبَيْعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute