[كِتَابُ الْجِهَادِ] [الْكَبِيرَةُ التِّسْعُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ تَرْكُ الْجِهَادِ عِنْدَ تَعَيُّنِهِ]
ِ (الْكَبِيرَةُ التِّسْعُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ: تَرْكُ الْجِهَادِ عِنْدَ تَعَيُّنِهِ بِأَنْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّونَ دَارَ الْإِسْلَامِ أَوْ أَخَذُوا مُسْلِمًا وَأَمْكَنَ تَخْلِيصُهُ مِنْهُمْ، وَتَرْكُ النَّاسِ الْجِهَادَ مِنْ أَصْلِهِ، وَتَرْكُ أَهْلِ الْإِقْلِيمِ تَحْصِينَ ثُغُورِهِمْ بِحَيْثُ يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِ تَرْكِ ذَلِكَ التَّحْصِينِ) . قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] ، وَهِيَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْهَلَاكِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ قَوْمٌ: التَّهْلُكَةُ مَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَالْهَلَاكُ مَا لَمْ يُمْكِنْ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَقِيلَ هِيَ نَفْسُ الشَّيْءِ الْمُهْلِكِ، وَقِيلَ هِيَ مَا تَضُرُّ عَاقِبَتُهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْإِلْقَاءِ بِالْأَيْدِي إلَى التَّهْلُكَةِ، فَقِيلَ هُوَ رَاجِعٌ إلَى نَفْسِ النَّفَقَةِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ عَلَى أَنْ لَا يُنْفِقُوا فِي جِهَاتِ الْجِهَادِ أَمْوَالَهُمْ فَيَسْتَوْلِيَ الْعَدُوُّ عَلَيْهِمْ وَيُهْلِكَهُمْ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ إنْ كُنْت مِنْ رِجَالِ الدِّينِ فَأَنْفِقْ مَالَك فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كُنْت مِنْ رِجَالِ الدُّنْيَا فَأَنْفِقْ مَالَك فِي دَفْعِ الْهَلَاكِ وَالضُّرِّ عَنْ نَفْسِك؛ وَقِيلَ: هِيَ الْإِسْرَافُ فِي النَّفَقَةِ لِأَنَّ إنْفَاقَ جَمِيعِ الْمَالِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ عِنْدَ الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ إلَى الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ أَوْ الْمَلْبُوسِ، وَقِيلَ: هِيَ السَّفَرُ إلَى الْجِهَادِ بِلَا نَفَقَةٍ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمٌ فَانْقَطَعُوا فِي الطَّرِيقِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ غَيْرُ النَّفَقَةِ، وَعَلَيْهِ فَقِيلَ هِيَ أَنْ يَخْلُوَا بِالْجِهَادِ فَيَتَعَرَّضُوا لِلْهَلَاكِ الَّذِي هُوَ عَذَابُ النَّارِ، وَقِيلَ: هِيَ اقْتِحَامُ الْحَرْبِ بِحَيْثُ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ نِكَايَةٍ تَحْصُلُ مِنْهُ لِلْعَدُوِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَاتِلٌ لِنَفْسِهِ تَعَدِّيًا، وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَمَلَ عَلَى صَفِّ الْعَدُوِّ فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ أَلْقَى بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ.
فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا، صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَصَرْنَاهُ وَشَهِدْنَا مَعَهُ الْمُشَاهَدَ، فَلَمَّا قَوِيَ الْإِسْلَامُ وَكَثُرَ أَهْلُهُ رَجَعْنَا إلَى أَهْلَيْنَا وَأَمْوَالِنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute