يَعْمَلْ هَؤُلَاءِ الْكَبَائِرَ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ إلَّا رَافَقَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بُحْبُوحَةِ جَنَّةٍ - أَيْ وَسَطِهَا - مَصَارِيعُ أَبْوَابِهَا الذَّهَبُ» .
تَنْبِيهٌ: عُدَّ هَذَا كَمَا ذَكَرْته فِي التَّرْجَمَةِ هُوَ مَا صَرَّحُوا بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ فَلَقُوا ضِعْفَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ حَرُمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُوَلُّوا إلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِهِمْ لَمْ أُحِبَّ لَهُمْ أَنْ يُوَلُّوا وَلَا يَسْتَوْجِبُونَ السَّخَطَ عِنْدِي مِنْ اللَّهِ لَوْ وَلَّوْا عَنْهُمْ عَلَى غَيْرِ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ أَوْ التَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْمَشْهُورُ عَنْهُ.
[الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ الْفِرَارُ مِنْ الطَّاعُونِ]
(الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ: الْفِرَارُ مِنْ الطَّاعُونِ) . قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [البقرة: ٢٤٣] اعْلَمْ أَنَّ عَادَتَهُ تَعَالَى أَنْ يَذْكُرَ الْقَصَصَ بَعْدَ بَيَانِ الْأَحْكَامِ؛ لِيُفِيدَ الِاعْتِبَارَ لِلسَّامِعِ، وَالْهَمْزَةُ هُنَا لِلِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ لِدُخُولِهَا عَلَى حَرْفِ النَّفْيِ بِنَاءً عَلَى عِلْمِ الْمُخَاطَبِ بِالْقِصَّةِ قَبْلَ نُزُولِهَا أَنَّهَا لِلتَّنْبِيهِ وَلِلتَّعَجُّبِ مِنْ حَالِهِمْ وَالْمُخَاطَبُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كُلُّ سَامِعٍ، قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هِيَ قَرْيَةٌ قُرْبَ وَاسِطَ وَقَعَ بِهَا طَاعُونٌ فَخَرَجَ عَامَّةُ أَهْلِهَا وَبَقِيَتْ طَائِفَةٌ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا قَلِيلٌ مَرْضَى فَلَمَّا ارْتَفَعَ الطَّاعُونُ رَجَعَ الْهَارِبُونَ سَالِمِينَ، فَقَالَ الْمَرْضَى هَؤُلَاءِ أَحْزَمُ مِنَّا لَوْ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعُوا نَجَوْنَا وَلَئِنْ وَقَعَ الطَّاعُونُ ثَانِيًا لَنَخْرُجَنَّ إلَى أَرْضٍ لَا وَبَاءَ فِيهَا فَوَقَعَ الطَّاعُونُ مِنْ قَابِلٍ فَهَرَبَ عَامَّةُ أَهْلِهَا وَهُمْ بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا. وَقِيلَ؛ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ.
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَلَمْ يَقُولُوا دُونَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَلَا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا، وَالْوَجْهُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَنْ يَكُونَ عَدَدُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ جَمْعِ الْكَثْرَةِ إذْ لَا يُقَالُ فِي عَشَرَةٍ وَمَا دُونَهَا أُلُوفٌ: أَيْ إلَّا نَادِرًا حَتَّى نَزَلُوا وَادِيًا أَفْيَحَ وَظَنُّوا النَّجَاةَ فَنَادَاهُمْ مَلَكٌ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي وَآخَرُ مِنْ أَعْلَاهُ أَنْ مُوتُوا فَمَاتُوا جَمِيعًا وَبَلِيَتْ أَجْسَامُهُمْ، فَمَرَّ بِهِمْ نَبِيٌّ يُقَالُ لَهُ حِزْقِيلُ ثَالِثُ خُلَفَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ، إذْ خَلِيفَتُهُ الْأَكْبَرُ يُوشَعُ ثُمَّ كَالِبُ وَحِزْقِيلُ هَذَا هُوَ خَلِيفَةُ كَالِبَ وَلِكَوْنِ أُمِّهِ سَأَلَتْ اللَّهَ الْوَلَدَ بَعْدَ مَا كَبِرَتْ وَعَقِمَتْ سُمِّيَ ابْنَ الْعَجُوزِ، قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ وَهُوَ ذُو الْكِفْلِ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ سَبْعِينَ نَبِيًّا وَأَنْجَاهُمْ مِنْ الْقَتْلِ، فَلَمَّا مَرَّ حِزْقِيلُ بِأُولَئِكَ الْمَوْتَى وَقَفَ مُتَفَكِّرًا مُتَعَجِّبًا، فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَتُرِيدُ أَنْ أُرِيَك آيَةً؟ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute