للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخَرَجَ مِمَّا ذَكَرْته فِي التَّرْجَمَةِ إنْشَاءُ الشِّعْرِ وَإِنْشَادُهُ إذَا خَلَا عَمَّا فِي التَّرْجَمَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَقَدْ كَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُعَرَاءُ يُصْغِي إلَيْهِمْ كَحَسَّانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَاسْتَنْشَدَ مِنْ شَعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ مِائَةَ بَيْتٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَاسْتَنْشَدَ الشَّعْرَ وَأَنْشَدَهُ خَلَائِقُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ قَرَأْت شِعْرَ الْهُذَلِيِّينَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي حِفْظِ دَوَاوِينِ الْعَرَبِ أَبْلَغُ مَعُونَةٍ عَلَى مَعْرِفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً» . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُرْسَلًا: «الشِّعْرُ كَلَامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ» أَيْ أَنَّ كَوْنَهُ شِعْرًا غَيْرُ مُسْتَقْبَحٍ بَلْ هُوَ كَالْكَلَامِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَحِفْظُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مُتَأَكَّدٌ؛ لِأَنَّ مَا أَعَانَ عَلَى الطَّاعَةِ طَاعَةٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفَضْلُهُ عَلَى الْكَلَامِ أَنَّهُ سَائِرٌ أَيْ بِالرَّاءِ خِلَافًا لِمَنْ صَحَّفَهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الدَّوَاوِينِ وَيُدَرَّسُ بِخِلَافِ النَّثْرِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْمَاوَرْدِيِّ: الشِّعْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُسْتَحَبٌّ وَمُبَاحٌ وَمَحْظُورٌ، فَالْمُسْتَحَبُّ مَا حَذَّرَ مِنْ الدُّنْيَا وَرَغَّبَ فِي الْآخِرَةِ أَوْ حَثَّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالْمُبَاحُ مَا سَلِمَ مِنْ فُحْشٍ أَوْ كَذِبٍ، وَالْمَحْظُورُ نَوْعَانِ كَذِبٌ وَفُحْشٌ وَهُمَا جُرْحٌ فِي قَائِلِهِ، وَأَمَّا مُنْشِدُهُ فَإِنْ حَكَاهُ اضْطِرَارًا لَمْ يَكُنْ جُرْحًا أَوْ اخْتِيَارًا كَانَ جُرْحًا. اهـ. وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا حَثَّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَاجْتِنَابِ الْبِدْعَةِ وَحَذَّرَ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ قُرْبَةٌ، وَكَذَا مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَدْحِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا شَكَّ أَنَّ هِجَاءَ الشَّاعِرِ حَرَامٌ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ فَحَشَ بِذِكْرِ مَا لَا يَنْبَغِي أَوْ صَرَّحَ بِقَذْفٍ، وَقَدْ حَمَلَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي ذَمِّ الشُّعَرَاءِ عَلَى هَذَا وَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الشِّعْرُ وَاشْتَغَلَ بِهِ عَنْ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الِامْتِلَاءَ وَمَا فِيهِ فَخْرٌ فَقَلِيلُهُ مَذْمُومٌ كَكَثِيرِهِ.

[الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ إدْمَانُ صَغِيرَةٍ أَوْ صَغَائِرَ بِحَيْثُ تَغْلِبُ مَعَاصِيهِ طَاعَتَهُ]

(الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ: إدْمَانُ صَغِيرَةٍ أَوْ صَغَائِرَ بِحَيْثُ تَغْلِبُ مَعَاصِيهِ طَاعَتَهُ) وَكَوْنُ هَذَا كَبِيرَةً أَيْ مِثْلُهَا فِي سُقُوطِ الْعَدَالَةِ هُوَ مَا صَرَّحُوا بِهِ. وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ: قَالَ الْأَصْحَابُ يُعْتَبَرُ فِي الْعَدَالَةِ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ، فَمَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً فَسَقَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَلَا يُشْتَرَطُ تَجَنُّبُهَا بِالْكُلِّيَّةِ لَكِنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يُصِرَّ عَلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>