يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا لَمْ يُعَذَّبَا فِي أَمْرٍ كَانَ يَكْبُرُ عَلَيْهِمَا، أَوْ يَشُقُّ فِعْلُهُ لَوْ أَرَادَا أَنْ يَفْعَلَاهُ وَهُوَ التَّنَزُّهُ مِنْ الْبَوْلِ وَتَرْكُ النَّمِيمَةِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ فِي حَقِّ الدِّينِ وَأَنَّ الذَّنْبَ فِيهِمَا هَيِّنٌ سَهْلٌ.
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: وَلِخَوْفِ تَوَهُّمِ مِثْلِ هَذَا اسْتَدْرَكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَلَى إنَّهُ كَبِيرٌ. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِأَنْ يَمْشِيَ خُطُوَاتٍ أَوْ يَنْتُرَ ذَكَرَهُ أَوْ يَتَنَحْنَحَ، وَقَدْ جَرَتْ لِكُلِّ إنْسَانٍ عَادَةٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ لَا تَخْرُجُ فَضَلَاتُ بَوْلِهِ إلَّا بِهَا، فَلْيَفْعَلْ كُلُّ إنْسَانٍ عَادَتَهُ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لَهُ الِاسْتِقْصَاءُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُورِثْ الْوَسْوَاسَ وَيَضُرُّ بِهِ سِيَّمَا بِالذَّكَرِ إذَا أَكْثَرَ مِنْ جَذْبِهِ، وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي غَائِطِهِ أَنْ يُبَالِغَ فِي غَسْلِ مَحَلِّهِ وَأَنْ يَسْتَرْخِيَ قَلِيلًا حَتَّى يَغْسِلَ مَا فِي تَضَاعِيفِ شَرْجِ حَلْقَةِ دُبُرِهِ، فَإِنَّ كَثِيرِينَ مِمَّنْ لَا يَسْتَرْخُونَ وَلَا يُبَالِغُونَ فِي غَسْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ يُصَلُّونَ بِالنَّجَاسَةِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ ذَلِكَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ الْمَذْكُورُ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ، لِأَنَّهُ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْبَوْلِ فَلَأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْغَائِطِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْذَرُ وَأَفْحَشُ.
وَقَدْ حَكَى الْأَئِمَّةُ أَنَّ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ الْمَالِكِيَّ رُئِيَ فِي النَّوْمِ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ قَالَ: غَفَرَ لِي، قِيلَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِقَوْلِي فِي الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ وَأَنْ يَسْتَرْخِيَ قَلِيلًا وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَهَا، أَيْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَرْخَى مَقْعَدَتَهُ قَلِيلًا ظَهَرَتْ تِلْكَ التَّضَاعِيفُ وَالتَّثَنِّي الَّذِي فِي فَمِ الدُّبُرِ فَيَصِلُهُ الْمَاءُ وَيُنَقِّي مَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَسَلَهُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَغْسِلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَآثَارِهَا عَنْ جَمِيعِ حَدِّ الظَّاهِرِ، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ ذَلِكَ ثُمَّ شَمَّ فِي يَدِهِ رِيحَ النَّجَاسَةِ فَإِنْ كَانَ فِي جِرْمِ الْيَدِ الْمُبَاشِرِ لَلْمَحَلِّ وَجَبَ غَسْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشُمَّهَا مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ شَمَّهَا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ أَوْ شَكَّ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا غَسْلُ يَدِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الرِّيحَ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي لَمْ يُبَاشِرْ الدُّبُرَ.
[بَابُ الْوُضُوءِ]
[الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالسَّبْعُونَ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ]
بَابُ الْوُضُوءِ (الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالسَّبْعُونَ: تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَمْ يُخَلِّلْ أَصَابِعَهُ بِالْمَاءِ خَلَّلَهَا اللَّهُ بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَرَوَاهُ فِي الْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا وَفِي الْكَبِيرِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute