للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ بَخْسُ نَحْوِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الذَّرْعِ]

قَالَ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: ١] أَيْ الَّذِينَ يَزِيدُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِبَخْسِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ، وَلِذَا فَسَّرَهُمْ بِأَنَّهُمْ {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} [المطففين: ٢] أَيْ مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ {يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: ٢] حُقُوقَهُمْ مِنْهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَزْنَ هُنَا اكْتِفَاءً عَنْهُ بِالْكَيْلِ. إذْ كُلٌّ مِنْهُمْ يُسْتَعْمَلُ مَكَانَ الْآخَرِ غَالِبًا. {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} [المطففين: ٣] أَيْ إذَا اكْتَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوا لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِ أَنْفُسِهِمْ {يُخْسِرُونَ} [المطففين: ٣] أَيْ يُنْقِصُونَ {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ} [المطففين: ٤] الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ {أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} [المطففين: ٤] {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين: ٥] أَيْ هَوْلِهِ وَعَذَابِهِ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: ٦] أَيْ مِنْ قُبُورِهِمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ثُمَّ يُحْشَرُونَ فَمِنْهُمْ الرَّاكِبُ بِجَانِبٍ أَسْرَعَ مِنْ الْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ الْمَاشِي عَلَى رِجْلَيْهِ، وَمِنْهُمْ الْمُنْكَبُّ وَالسَّاقِطُ عَلَى وَجْهِهِ تَارَةً يَمْشِي وَتَارَةً يَزْحَفُ وَتَارَةً يَتَخَبَّطُ كَالْبَعِيرِ الْهَائِمِ، وَمِنْهُمْ الَّذِي يَمْشِي عَلَى وَجْهِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْأَعْمَالِ إلَى أَنْ يَقِفُوا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِمْ لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.

قَالَ السُّدِّيُّ: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو جُهَيْنَةَ لَهُ مِكْيَالَانِ يَكِيلُ بِأَحَدِهِمَا وَيَكْتَالُ بِالْآخَرِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ»

وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ كَانُوا مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ كَيْلًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: ١] فَأَحْسَنُوا الْمِكْيَالَ بَعْدَ ذَلِكَ» . وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ: إنَّكُمْ قَدْ وُلِّيتُمْ أَمْرًا فِيهِ هَلَكَتْ الْأُمَمُ السَّالِفَةُ قَبْلَكُمْ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ فِيهِ مَتْرُوكًا وَبِأَنَّ الصَّحِيحَ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ بِنَحْوِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. عَنْ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسُ خِصَالٍ إذَا اُبْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ فَيُعْلِنُوا بِهَا إلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>