فَاسِقٌ إجْمَاعًا. وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: ٦] الْآيَةَ.
وَأَنْ يَنْهَاهُ عَنْ الْعَوْدِ لِمِثْلِ هَذَا الْقَبِيحِ دِينًا وَدُنْيَا، وَأَنْ يُبْغِضَهُ فِي اللَّهِ إنْ لَمْ يُظْهِرْ لَهُ التَّوْبَةَ، وَأَنْ لَا يَظُنَّ بِالْمَنْقُولِ عَنْهُ سُوءًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ مَا نُقِلَ إلَيْهِ عَنْهُ صُدِرَ مِنْهُ، وَأَنْ لَا يَحْمِلَهُ مَا حُكِيَ لَهُ عَلَى التَّجَسُّسِ وَالْبَحْثِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: ١٢] وَأَنْ لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ مَا نَهَى النَّمَّامَ عَنْهُ فَلَا يَحْكِي نَمِيمَتَهُ، فَيَقُولُ: قَدْ حَكَى لِي فُلَانٌ كَذَا فَإِنَّهُ يَكُونُ بِهِ نَمَّامًا وَمُغْتَابًا وَآتِيًا بِمَا عَنْهُ نَهَى. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَنْ نَمَّ لَهُ شَيْئًا: إنْ شِئْت نَظَرَنَا فِي أَمْرِك، فَإِنْ كَذَبْت فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: ٦] وَإِنْ صَدَقْت فَمِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: ١١] وَإِنْ شِئْت عَفَوْنَا عَنْك. فَقَالَ الْعَفْوُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا أَعُودُ إلَيْهِ أَبَدًا.
وَعَاتَبَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَنْ نَمَّ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الزُّهْرِيِّ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَخْبَرَنِي صَادِقٌ. فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: النَّمَّامُ لَا يَكُونُ صَادِقًا فَقَالَ سُلَيْمَانُ صَدَقْت، اذْهَبْ أَيُّهَا الرَّجُلُ بِسَلَامٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَنْ نَمَّ لَك نَمَّ عَلَيْك، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّمَّامَ يَنْبَغِي أَنْ يُبْغَضَ وَلَا يُؤْتَمَنَ وَلَا يُوَاثَقَ بِصَدَاقَتِهِ، وَكَيْفَ لَا يُبْغَضُ وَهُوَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالْقَذْفِ وَالْخِيَانَةِ وَالْغِلِّ وَالْحَسَدِ وَالْإِفْسَادِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْخَدِيعَةِ، وَهُوَ مِمَّنْ سَعَى فِي قَطْعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ. قَالَ تَعَالَى. {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: ٤٢] وَالنَّمَّامُ مِنْهُمْ. وَمِنْ النَّمِيمَةِ السِّعَايَةُ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهَا.
[الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ كَلَامُ ذِي اللِّسَانَيْنِ وَهُوَ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي لَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا]
(الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: كَلَامُ ذِي اللِّسَانَيْنِ وَهُوَ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي لَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) . أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute