مَنْ فَعَلَ هَذَا» ؛ وَالتَّعْذِيبُ بِالنَّارِ كَالتَّعْذِيبِ بِاِتِّخَاذِهَا غَرَضًا أَوْ أَشَدَّ. وَرَوَى مُسْلِمٌ: «إنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «يُعَذِّبُونَ النَّاسَ» وَالْأُولَى أَعَمُّ، قَالَ ذَلِكَ لَمَّا رَأَى قَوْمًا يُعَذِّبُونَ بِالشَّمْسِ فَمَا الظَّنُّ بِالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ.
[الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ تَنَاوُلُ النَّجَسِ وَالْمُسْتَقْذَرِ وَالْمُضِرِّ]
(الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: تَنَاوُلُ النَّجَسِ وَالْمُسْتَقْذَرِ وَالْمُضِرِّ) وَعَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيُسْتَدَلُّ فِي الْأُولَى بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهَا هُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْمَيْتَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُحَرَّمْ لِضَرَرِهَا بَلْ لِنَجَاسَتِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَإِذَا حُرِّمَتْ لِنَجَاسَتِهَا وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِسْقًا فَيَلْحَقُ بِهَا فِي ذَلِكَ كُلُّ نَجَاسَةٍ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، فَظَهَرَ وَجْهُ عَدِّ هَذِهِ كَبِيرَةً. وَفِي الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الْمُسْتَقْذَرَ كَالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ يَلْحَقُ بِالنَّجَاسَةِ فِي تَلْطِيخِ نَحْوِ الْمُصْحَفِ كَمَا مَرَّ فِي الْكَبِيرَةِ الْأُولَى أَوَّلَ الْكِتَابِ فَلَا بُعْدَ فِي إلْحَاقِهِ بِهَا هُنَا، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَالْحُكْمُ فِيهَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ تَنَاوُلَ الْمُضِرِّ مُفْسِدٌ لِلْبَدَنِ أَوْ الْعَقْلِ وَذَلِكَ عَظِيمُ الْإِثْمِ وَالْوِزْرِ، وَكَمَا أَنَّ إضْرَارَ الْغَيْرِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ كَبِيرَةً فَكَذَا إضْرَارُ النَّفْسِ بَلْ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّ حِفْظَ النَّفْسِ أَهَمُّ مِنْ حِفْظِ الْغَيْرِ.
فَرْعٌ: ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُ طَاهِرٍ مُضِرٍّ بِالْبَدَنِ كَالطِّينِ وَالسُّمِّ كَالْأَفْيُونِ إلَّا الْقَلِيلَ مِنْ ذَلِكَ لِحَاجَةِ التَّدَاوِي مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ أَوْ بِالْعَقْلِ كَنَبَاتٍ مُسْكِرٍ غَيْرِ مُطْرِبٍ، وَلَهُ التَّدَاوِي بِهِ وَإِنْ أَسْكَرَ إنْ تَعَيَّنَ بِأَنْ قَالَ لَهُ طَبِيبَانِ عَدْلَانِ لَا يَنْفَعُ عِلَّتُك غَيْرُهُ، وَلَوْ شَكَّ فِي نَبَاتٍ هَلْ هُوَ سُمٍّ أَمْ غَيْرُهُ أَوْ فِي نَحْوِ لَبَنٍ هَلْ هُوَ مَأْكُولٌ أَوْ غَيْرُهُ حُرِّمَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ، وَلَوْ وَقَعَ نَحْوُ ذُبَابٍ فِي نَحْوِ طَبِيخٍ وَتُهُرِّئَ فِيهِ حَلَّ أَكْلُهُ أَوْ نَحْوُ طَائِرٍ أَوْ جُزْءِ آدَمِيٍّ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ تُهُرِّئَ، وَلَوْ وَجَدَ نَجَاسَةً فِي طَعَامٍ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُمُودُ وَشَكَّ هَلْ وَقَعَتْ فِيهِ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا حَلَّ تَنَاوُلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ وُقُوعَهَا فِيهِ جَامِدًا فَيَنْزِعُهَا وَمَا حَوْلَهَا فَقَطْ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِيهِ مَائِعًا، وَيَحْرُمُ الدِّرْيَاقُ الْمَخْلُوطُ بِلَحْمِ الْحَيَّاتِ إلَّا لِضَرُورَةٍ تُجَوِّزُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ، وَلَوْ عَمَّ الْحَرَامُ أَرْضًا وَلَمْ يَبْقَ بِهَا حَلَالٌ وَتُوُقِّعَ مَعْرِفَةُ أَرْبَابِهِ جَازَ تَنَاوُلُ قَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْهُ دُونَ التَّنَعُّمِ وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى الضَّرُورَةِ.
خَاتِمَةٌ: الْحَيَوَانُ إمَّا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَفَأْرَةٍ وَحِدَأَةٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ وَغُرَابٍ غَيْرِ زَاغٍ وَذِئْبٍ وَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَسَائِرِ السِّبَاعِ وَدُبٍّ وَنَسْرٍ وَعُقَابٍ وَبُرْغُوثٍ وَنَمْلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute